مقابلة مع السفير البابوي في دمشق بشأن آخر التطورات في سورية

عُقد منذ يومين في العاصمة السورية لقاء بين أحمد الشرع والقادة الروحيين المسيحيين: لقاء قال عنه السفير البابوي في دمشق، في مقابلة مع موقعنا الإلكتروني، إن تصوره لم يكن ممكناً منذ بضعة أسابيع، لافتا إلى أن المرحلة الراهنة حساسة لأن السلام ما يزال هشاً. كما تطرق نيافته إلى المقابر الجماعية التي تم اكتشافها مؤخرا في سورية معتبرا أن الجماعة الدولية كان باستطاعتها أن تفعل المزيد كي لا تُرتكب تلك الفظائع، كما أعرب عن رفضه لدوامة الانتقام.

اللقاء بين أحمد الشرع، المعروف بـ”أبي محمد الجولاني”، وقادة الكنائس المسيحية في سورية تم في اليوم الأخير من عام ٢٠٢٤ الذي انتهى مع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد ودخول البلاد مرحلة جديدة، تحمل معها الكثير من الآمال مع أنها لا تخلو من المخاوف، لاسيما وسط الأقليات التي تخشى على مصيرها، وتريد أن تحصل من السلطات السورية الجديدة على الضمانات اللازمة. غداة هذا اللقاء وتزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للسلام، أجرى موقعنا الإلكتروني – يوم أمس الأربعاء – مقابلة مع السفير البابوي في دمشق الكاردينال ماريو زيناري المتواجد في إيطاليا لمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، ولكنه بقي على تواصل مع القادة الدينيين المسيحيين الذين توافدوا من مختلف أنحاء سورية للقاء الشرع.استهل نيافته حديثه لافتا إلى أنه تواصل مع بعض الأساقفة الذين شاركوا في اللقاء وأبدوا له تفاؤلاً حيال مستقبل سورية، مضيفا أن الجولاني وعدهم بأن سورية ستكون بلداً للجميع متمنياً لضيوفه ميلادا مجيدا وعاماً سعيدا. وأضاف السفير البابوي أنه تسنت له فرصة لقاء وزير الخارجية السوري الجديد، بصفته عميداً للسلك الدبلوماسي، لافتا إلى وجود توافق مع القادة الجدد حول بعض المبادئ والقيم الأساسية، لكنه شدد على ضرورة الانتظار لرؤية الأقوال تُترجم إلى أفعال. ومع ذلك عاد نيافته ليؤكد أن جميع الأساقفة أبدوا تفاؤلاً على الرغم من أن بعض المسيحيين ما يزالون متخوفين من المستقبل. وكثيرون منهم عبروا عن رغبتهم في مغادرة سورية في أعقاب التطورات الأخيرة.رداً على سؤال بشأن الرسالة التي يريد أن يوجهها إلى هؤلاء المسيحيين، قال الكاردينال زيناري إنه سبق أن طلب منهم ألا يخافوا وأن يبقوا في بلدهم، مشدداً على أن هذا الزمن ليس زمن رحيل المسيحيين، بل على العكس إذ لا بد أن يعود المسيحيون المقيمون في الخارج، لأنه يتعين على المكون المسيحي أن يكون حاضرا ليشارك في عملية إعادة إعمار سورية، وليسلط الضوء على قيم حقوق الإنسان والحرية والاحترام للجميع. وذكّر نيافته بأنه ستبدأ في المستقبل القريب عملية صياغة الدستور السوري الجديد، وللمناسبة دعا الأشخاص من ذوي الاختصاصات والكفاءات، كالأطباء والمهندسين وغيرهم، إلى تقديم إسهامهم في هذه العملية. وعاد ليؤكد على أن المرحلة الراهنة تتطلب بقاء المسيحيين، وفي حال ساءت الأوضاع في المستقبل يمكن أن يهاجروا.لم تخل كلمات السفير البابوي في دمشق من الحديث عن الاحتفالات الميلادية، وقال إنه تم الاحتفال بالعيد في أجواء من الفرح والرجاء، على الرغم من أن بعض الجماعات المسيحية لم تُخف مخاوفها. وروى أنه شاهد على التلفاز البابا فرنسيس يفتح الباب المقدس، مضيفا أن بداية اليوبيل تشبه إلى حد بعيد الوضع في سورية، التي كانت ميتةً في الماضي وكان الناس قد فقدوا الأمل في المستقبل، وفجأة – مضى يقول – استيقظ هذا الأمل في القلوب، وأحدث خرقاً، مع أن هذه الفتحة تبقى صغيرة جداً مقارنة مع الباب المقدس في بازيليك القديس بطرس.في معرض حديثه عن الانتهاكات التي شهدتها السجون السورية وقد ظهرت إلى العيان بعد أن فُتحت أبواب المعتقلات، قال الكاردينال زيناري إن ما حصل ولد ألماً وحزناً كبيرين، موضحا أن المسيحيين احتفلوا بعيد الميلاد أيضا عند المقابر الجماعية. وأضاف أن تلك الفظائع كانت معروفة، وكان من المستحيل أن توقَف، لكن المحاولة كانت واجبا. وأكد أن ما جرى يشكل فحص ضمير بالنسبة لكل واحد منا، وأيضا بالنسبة للجماعة الدولية التي كان يتعين عليها أن تفعل المزيد لتفادي كل تلك الآلام. وتوقف بعدها الدبلوماسي الفاتيكاني عند اليوم العالمي للسلام، الذي احُتفل به يوم أمس، مضيفا أن السلام يتطلب التنبه من الوقوع في دوامة الانتقام والإعدامات الجماعية. وحذر من مغبة الوقوع في هذا الفخ إذ لا بد أن تُطبق العدالة وتكون عدالة منتظمة ومنصفة.تابع السفير البابوي في دمشق حديثه لموقعنا الإلكتروني مشيرا إلى أنه يتواجد في سورية منذ ست عشرة سنة وكان شاهداً على صراع دموي عنيف، لكن تسنت له فرصة التعرف على العديد من السامريين الصالحين، إنهم أشخاص مؤمنون ينتمون إلى مختلف الطوائف والأديان، ولديهم مفهوم راقٍ للكرامة البشرية. وكثيرون منهم فقدوا أرواحهم إذ قُتلوا في محاولتهم لإنقاذ الآخرين. ولا بد أن نتذكّر هؤلاء الأشخاص ومن واجبنا أن نكون ممتنين لهم.  بعدها قال الكاردينال زيناري إن الجماعة الدولية تتعامل اليوم مع سورية استنادا إلى مقولة wait and see أي “انتظر لترى”، وأضاف أنه لا بد أن تُبدّل هذه المقولة إلى work and see أي “اعمل لترى” مشدداً على ضرورة عدم الانتظار قبل إرسال المساعدات اللازمة إلى المواطنين المحتاجين، وقبل رفع العقوبات عن سورية. ومن هذا المنطلق وجه نيافته نداءً إلى الجماعة الدولية حاثاً إياها على العمل فوراً، خصوصا وأن السلام الذي تعيشه البلاد اليوم يبقى سلاماً هشاً للغاية، كما أن المرحلة الراهنة حساسة جدا.في ختام حديثه لموقعنا الإلكتروني ذكّر السفير البابوي في سورية بأن السلام هو هبة من الله لا نستطيع أن نحققها لوحدنا، لكن بولس السادس كان يقول إن “اسم السلام هو التنمية”، وهذا ينطبق على سورية التي دُمرت، وانهار اقتصادها، وحيث تضررت البنى التحتية وحيث نصف المستشفيات خارجة عن الخدمة، وحيث دُمرت المدارس والناس يعانون من الجوع ويفتقرون إلى التيار الكهربائي. وقال زيناري: إذا أردنا السلام علينا أن نضمن التنمية وهكذا نساعد سورية في الوقوف على رجليها وفي الاتكال على نفسها.