في أثناء دخوله إلى مدينة القدس أطلق السيد المسيح صرخة بكلمات خالدة تختصر جوهر الإيمان والحياة: «بيتي بيت الصلاة يُدعى». في تلك اللحظة واجه المسيح انحراف الناس عن رسالة بيت العبادة الحقيقية، إذ تحوّل بيت الله من مكان يرفع فيه الإنسان قلبه إلى خالقه، إلى ساحة بيع وشراء، وصفقات ومصالح وتجارة.
هذا المشهد ليس مجرد حادثة تاريخية نقرأها، بل قد يكون مرآة لواقعنا اليوم، خصوصا عندما يتم تغليب للمصالح السياسية والتجارية على حساب جوهر الدين والإيمان. وكأن بيت الله، الذي أُقيم ليكون موئلاً للروح وملاذاً للنفوس المتعبة، قد أصبح عند البعض أداة نفوذ، أو وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية ومنافع آنية.
لكن كلمة المسيح تأتي كصفعة توقظ الضمير:
الكنيسة ليست مؤسسة بشرية تُستَغل، وليست ساحة للمزايدات والتجاذبات، بل هي بيت صلاة. بيت الصلاة يعني مكان اللقاء بالله، مكان الحوار الصادق مع السماء، مكان تذويب الأنا في محبة الله والقريب.
وإذا أردنا أن نترجم هذا القول اليوم، فعلينا أن نتساءل بجرأة:
هل كنائسنا، ومؤسساتنا الروحية، ما زالت بيوت صلاة؟ أم أنها انجرفت، ربما دون أن نشعر، إلى منطق المصلحة، والمظاهر، والسياسة، والتجارة؟
المسيح، حين قلب موائد الصيارفة، لم يكن ضد التجارة بحد ذاتها، بل ضد تدنيس المقدس وإفراغه من رسالته. هكذا يدعونا اليوم أن نقلب نحن أيضاً الموائد التي تعيق صلاتنا: موائد الأنانية، موائد الانقسام، موائد استغلال الدين لمآرب ضيقة.
فالرسالة باقية بأن بيت الله ليس للبيع ولا للمتاجرة، وبأن الصلاة ليست واجباً شكلياً، بل هي روح الحياة، وبأن الكنيسة تبقى منارة رجاء، لا ساحة مصالح.
وكل واحد منا مدعو أن يحافظ على هذه القدسية في داخله أولاً، لأن قلب الإنسان نفسه مدعو أن يكون “بيت صلاة”، بيتاً يحلّ فيه الله، لا مغارة للحقد والكراهية والإنتقام والبغضاء
وكما قال القديس يوحنا الذهبي الفم:
«ليس المهم أن تقف في الكنيسة بجسدك، بل أن يكون قلبك هيكلاً لله، لأن القلب الذي يمتلئ صلاة ومحبة هو أقدس من أي حجارة مشيَّدة».