في زمنٍ تتشابك فيه الأزمات السياسية وتتعاظم الكوارث الإنسانية والمعضلات الأخلاقية، وفي شرقٍ أرهقته الحروب والانقسامات، يعلو صوت صاحب الغبطة البطريرك يوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، كصوتٍ صارخٍ في البرية، حاملاً همَّ العروبة والإنسان معاً.
منذ تولّيه السدّة البطريركية، أثبت غبطته أنّ الكنيسة ليست بعيدة عن قضايا الوطن، بل هي في قلبها، شاهدة على الألم، وفاعلة في فضائل المحبة والإيمان والرجاء لبناء غدٍ أكثر إشراقاً وإنسانية.
الجهود الوطنية والإنسانية
لم يكن البطريرك يوسف العبسي مجرّد راعٍ روحي، بل كان صوتاً وطنياً صادقاً ومدوّياً، داعياً دوماً إلى المصالحة والحوار ونبذ العنف. آمن بأنّ سوريا هي بيت الجميع، وأنّ الحفاظ على وحدتها واستقرارها واجبٌ مقدّس.
وفي ظلّ ما مرّت به البلاد من محنٍ قاسية، ظلّت كلماته تعبّر عن إيمانٍ عميق بالإنسان السوري وقدرته على الصمود والتجدد. كما حرص غبطته على دعم المبادرات الخيرية والتعليمية التي تُعيد الأمل إلى العائلات المتضررة، وتزرع بذور الحياة في قلب الألم.
الدبلوماسية الروحية
على الصعيد الدبلوماسي، حمل البطريرك العبسي رسالة الكنيسة المشرقية إلى العالم، مؤكداً في لقاءاته مع السفراء وممثلي الدول أنّ السلام هو الطريق الوحيد إلى مستقبلٍ مستقر.
واستقبالاته المتكرّرة لعددٍ من السفراء — من هنغاريا والسعودية وسواهما — تعبّر عن انفتاح الكنيسة الملكية على الحوار والتعاون الدولي بما يخدم الإنسان أولاً، ويؤكّد أنّ الكنيسة جسرُ محبةٍ لا جدارُ فصل.
في كلّ مواقفه، يظهر البطريرك يوسف العبسي قائداً روحياً ودبلوماسياً وطنياً يجمع بين الإيمان والعمل، بين الصلاة والموقف، بين المحبة والحكمة.
هو شاهدٌ على تاريخٍ يتجدّد، ورمزٌ لنهجٍ كنسيٍّ يرى في خدمة الوطن رسالةً إيمانيةً لا تقلّ قداسة عن خدمة الكنيسة