إيمانُ الآخرينَ قد يفوقُ إيمانَنَا بقلم القس سامر عازر



فحتى الإيمان يحتاج إلى تغذية وتنمية وتقوية، وإلا يَفتر ويضعف وقد يُفقد في حياتنا، وهذا ما لا يجب أن يكون، وخصوصاً في عالم اليوم الذي يقدم الكثير من المغريات وقد يوفر الكثير من الإحتياجات فلا يعود هناك شعور لدى الإنسان بأنه يحتاج أيضاً أن يُصلّي حتى من أجل قوت يومه ” خبزنا كفافنا أعطنا اليوم”. لذلك أخطر ما قد تتعرض له حياتُنا اليوم هو أن نفقد عمق إيماننا بالله معطي كل شيء، والواهب لكل النعم والبركات والخيرات، أو أن تكون مواقف وتصرفات الآخرين سبب عثرةٍ لنا فنفقدَ إيماننا بالله بدلا من أن يكونوا خير عون لنا لننمو معاً في الإيمان والرجاء والمحبة.

وفي الوقت الذي يفتر إيمانُنا أو تبرد محبتنا لبعضنا البعض قد نجد عمق الإيمان في مكان آخر لم نكن نتوقعه، تماما كحادثة المرأة الفنيقية التي تعيش بالقرب من صور وصيدا والتي كانت إبنتها مجنونة وفيها روح شيطانية نجسة. هذه المرأة أظهرت إيمانا غير عادي بشخص السيد المسيح، إيمانا ربما كان يفوق تلاميذه وأتباعه في ذلك الوقت، فكانت على ثقة بأن السيد المسيح كان قادرا أن يشفي لها إبنتها المريضة التي مزّقت قلبها، وأن يعيد لها صحتها وعافيتها، فأظهرت إيمانا منقطع النظير بشخص السيد المسيح وأتت غير آبهة بأحد وطلب منه الرحمة لإبنتها “ارحمني يا سيد”! وكم نحتاج اليوم أن نطلب رحمة الله التي تُمنح للجميع من غير استثناء، بشرط أن نطلبها بقلوب مؤمنة، إيمانا كإيمان هذه المرأة الغريبة الجنس، التي لم تملك سوى الثقثة بقدرة السيد المسيح وبسلطانه.

إن إيمان هذه المرأة رغم أنها لم تكن مثقّفة أو عالمة بكل شيء أو ملّمة بأمور كثيرة، كان كافيا لأن يفتح قلب رحمة الله لها فيستيجب لطلبها. صرخاتها كصرخات الكثير من المتألمين والمحزنونين والمعانين والمظلومين والمقهورين الذين قد لا تروق حتى لتلاميذ المسيح وأتباعه، فيرون في ذلك إزعاجا لا داعي له. فمتى كان أنين البشر إزعاجا؟ ومتى كانت آلام البشر شيئا عابرا؟ ومتى كان الظلم الواقع على الناس من غير وزن؟ للأسف كثيرون لا يقيمون اليوم وزناً لأنين الناس وأوجاعهم وأحزانهم ويديرون وجهوههم إلى الجهة المقابلة كما فعل الكاهن واللاوي في قصة السامري الصالح، وكأن لا شأن لهم ولا علاقة لهم بجراح الناس ودموعهم، فمتى يصحى أمثال هؤلاء ليعرفوا أن تَدينَهُم كاذب وأن إيمانهم مزيّف وأن بِرَّهم خادع وأن مظهرهُم مضلل، فالله إنما يريد الرحمة لا الذبيحة، وهو يريد قلوبنا ترحم بني البشر وتخفف جراحهم ” روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة” ( لو 4: 18-19).

وعلى خلاف هؤلاء جميعهم، أظهر السيد المسيح محبة منقطعة النظير لتلك الإمرأة الفنيقية، ما يشكل نبراسا للكنيسة ونبراسا خدام الكلمة والأسرار المقدسة، في خدمة كل الناس والمساهمة في تخفيف آلامهم وثقل صلبانهم التي أثقلت كاهلهم.
وقد أراد المسيح أن يظهر عظمة إيمان هذه المرأة وكأنه يمتحن إيمانها ليعّري به إيمان التلاميذ فيتحدى الفكر السائد بمحدودية رسالته والتي ما زال يظّنها البعض وكأنها إقصائية أو تفضيلية لشعب أو لأمة دون غيرها، ويظهر أيضاً أن محبة الله تشمل جميع بني البشر دونما إستثناء، وأنه لا فرق عند الله ولا تفضيل شعب أو أمة عن غيرها. وأما نحن، فقد نفسر الأمور على هوانا، كأن نجعل الله حكراً علينا، ومُلكا لنا، فنجرد الآخرين من إنسانيتهم ومن حقهم في الحياة والكرامة الإنسانية.

فمتى نستفيقُ من سباتِنا ومن ضلالنا ونعود إلى الإله الحيّ القيّوم، خالق الجميع ومحب الجميع!

Comments are closed.