اليوم تحتفل الكنيسة بعيد العنصرة. يأتي هذا العيد بعد خمسين يوماً أي بعد سبع أسابيع من عيد الفصح، وفيه نذكر حلول الروح القدس على الرسل وهم مجتمعون في علية صهيون مع مريم العذراء، بعد صعود يسوع المسيح الى السماء (أعمال الرسل فصل ٢). “فانطلق من السماء بغتةً دوي كريحِ عاصفة، فملأ جوانب البيت الذي كانوا فيه، وظهرت لهم ألسنة كأنها من نار قد انقسمت فوقف على كل منهم لسان، فامتلأوا جميعاً من الروح القدس، وأخذوا يتكلمون بلغات غير لغتهم على ما وهب لهم الروح القدس أن يتكلموا”. إن هذا العيد هو عيد ميلاد كنيسة القيامة وكنيسة الروح القدس في القدس، أُم الكنائس كلها. إن المسيح، الذي مات وقام وصعد إلى السماء، أتمّ عمله بإفاضة روحه على الرسل يوم العنصرة (أعمال الرسل ٢: ٢٣: ٣٢). وكما أرسل يسوع روحه إلى الجماعة المسيحية الأولى، فكذلك يرسله لنا اليوم، لكي نعيش العنصرة من جديد.
في رواية العنصرة، كما وردت في سفر أعمال الرسل، يوجد عدة رموز تشير الى الروح القدس:
ريح عاصفة: تشير العاصفة إلى ظهور الله في صحراء سيناء (الخروج ١٩: ١٦-١٩). بهذه العلامة، نعرف أنّ الله حاضر معنا بروحه القدوس (يوحنا ٢٠: ٢٣-٢٤).
صورة النار: حلّ عليهم الروح القدس على شكل ألسنة من نار (اعمال ٣: ٢-٤). ترمز النار الى قدرة الروح القدس، وتذكّرنا بكلمة القديس يوحنا المعمدان: سيعمّدكم بالروح القدس والنار (لوقا ٣: ٣-١٦)
التكلم باللغات، وهي صورة للمواهب الروحية التي يمنحها الروح القدس للجماعات المسيحية الأولى، كما يشير إلى انتشار الجماعة المسيحية الأولى في كافة شعوب العالم.
كيف نعيش هذا اليوم؟ وماذا يعني لنا؟
كيف ننال هبة الروح القدس في حياتنا لكي نكون شهودًا ومبشرين؟
يعني أنّ الله يسكن بروحه في قلوب المؤمنين، فتلاميذ يسوع هم اليوم شهوده، لأن الروح القدس هو حياة لتلاميذه ولكنيسته. فالروح القدس هو الذي يقودنا في طريق يعاكس طريق العالم. أما “ثمار الروح هي المحبّة والفرح والسلام والصبر واللطف والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف” (غل ٥: ٢٢- ٢٣). ومواهبه هي: القوة والتقوى والفهم ومخافة الله والعلم والمشورة الصالحة. بقوة الروح القدس، نكتشف الطريق لخدمة المسيح في إخوته البشر. أن نتبع يسوع يعني أن نختبر قوة الروح القدس الساكن فينا والعامل في البشر، فندرك مع جميع القدّيسين ما هو العرض والطول والعلوّ والعمق” (أف ٣: ١٧- ١٨). إن الاحتفال بعيد العنصرة يعني الشهادة والتبشير بقوة مواهب الروح القدس، التي تؤهل للرسالة وتقوي شهاداتنا وتجعلها صريحة وشجاعة.
في هذه المناسبة أيضا نتذكر وعد يسوع بالروح القدس في انجيل القديس يوحنا: ” وأنا سأسأل الآب، فيهب لكم مؤيداً آخر يكون معكم للأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يتلقاه لأنه لا يراه ولا يعرفه، أما أنتم فتعلمون أنه يقيم عندكم ويكون فيكم”. (يوحنا ١٤: ١٦-١٧). فالروح القدس يرشد، ويعلم، ويؤيد، ويذكّر، ويعزي، ويقود إلى الحق. هذا هو عمل الروح القدس الذي وعد السيد المسيح أنه سيرسله لنا.
إن مجتمعنا فيه خير كثير وشر كثير. والمسيحي، بقوة روح الله، يميّز بين هذا الخير الكثير والشر الكثير، وبقوته يستطيع أن يفصل بين الخير والشر، فيساهم في كلِّ خير، ويحاول الحدَّ من كلِّ شر، بقدر ما يعطيه الروح أن يعمل. المسيحي بين أهله وأحبّائه، يشارك في هموم كل مجتمعه كما يشاركه آماله. ورسالته هي أن يملأ الكلّ بالروح.
إننا كمسيحين في جميع أرجاء العالم نعكس في سلوكنا ثمار الروح القدس حيث يعرف عنّا التسامح مقابل الإساءة إلينا…مؤتمنين على الأرواح والاملاك.
نتقدم في علاقاتنا بقوة المحبة وغالباً ما يوجد ما يميّز حضورنا بين الآخرين المختلفين عنا….من المؤكد أنه ليس الجميع يستجيب لدعوه الله ورسالته فينا….لكن حتى المختلفين عنّا لا ينكرون وجود لمسة خاصه بنا والحضور الإيجابي والمميز في علاقاتنا ….كل ذلك ليس بإنجازنا الشخصي …حيث يد الله هي التي تبث فينا هذه الروح وتشعرنا بقوة الروح القدس في حياتنا كجماعه مسيحية تعيش تحديات كثيرة في عالم اليوم …فلنطلب القوة الدائمة لكي نعكس روح الله ورسالة السيّد المسيح للعالم … فتستمر بخدمة من يحتاجون لحضور الله في حياتهم.
صلاة:
هلمّ أيها الروح القدس٬ وأرسل من السماء شعاع نورك. هلمّ يا أبا المساكين، هلمّ يا معطي المواهب، هلمّ يا ضياء القلوب. أيها المعزي الجليل. أنت في التعب راحة، وفي الحرّ اعتدال، وفي البكاء تعزية.
أيها النور الطوباوي، إملا بواطن قلوب مومنيك، لأنه من دون نعمتك لا شيء في الانسان، لا شيء فيه طاهر. أعط مومنيك المتكلين عليك المواهب السبع. هب لهم ثواب الفضيلة، وآتهم الخلاص والفرح الدائم. آمين.