عظة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا
الإحتفال بجسد الربّ ودمه الأقدسين، السنة ب
٦ حزيران ٢٠٢١
(مرقس ١٤: ١٢– ١٦ و ٢٢– ٢٦)
في احتفال اليوم، نقرأ نفس المقطع الإنجيلي الّذي تُعلنه الكنيسة في قدّاس عشاء الربّ، مساء الخميس المقدّس (خميس الأسرار)، في ذكرى العشاء الأخير، والّذي ينقلنا إلى فترة الآلام: يُقدّم الربّ يسوع جسده ودمه، أي حياته؛ يُقدّمها للجميع بادرةَ محبّة وعلامةً على العهد وغذاء خلاصيا ومبْدأ حياة جديدة.
هذا المقطع الإنجيلي الذي نقرأه اليوم بعد عيد الصعود، وبالتالي على ضوء اكتمال السرّ الفصحي، يكتسب معنى ومغزى جديدين، هما غاية في العمق.
ها إن مبادرة يسوع هذه، بفضل روحه القدّوس وبه، تصبح مبادرة أبديّة، غير متناهية، مفتوحة دائماً، كي يتمكّن كل شخص من الوصول إليها والتغذّي منها.
يُكرّس يسوع في إنجيل اليوم، اهتماما كبيرا بالتحضيرات (مرقس ١٤: ١٢– ١٦): فهي دقيقة. يعدّ يسوع نفسه هذا العشاء، وهو الّذي يجعله ممكناً. قد تبدو المبادرة وكأنّها صادرة عن التلاميذ: “إلى أين تُريد أن نمضي فنُعدّ لك الفصح لتأكله؟” (مرقس ١٤: ١٢). لكن الأمر ليس كذلك: يكتشف التلاميذ أنّ هناك بالفعل غرفة جاهزة، وهي غرفة قد تمّ فرشها وإعدادها بالفعل (مرقس ١٤: ١٥)، وتقتصر مسئوليّتهم على إحضار ما يلزم للعشاء، أي الحَمَل والأعشاب المرّة والخبز والخمر لتَذكّر خروج إسرائيل من مصر.
ما يُحضرونه سيوضع بين يديّ الربّ ليُصبح إفخارستيّا. علاوة على ذلك، يسأل التلاميذ يسوع عن تحضير المكان كي يتمكن هو من تناول وجبة الفصح (مرقس ١٤: ١٢). في الواقع، حتى هذا لن يحدث وفقاً لتوقّعاتهم، لأنّه لن يكون هو الّذي سيأكل وجبة الفصح، بل سيكون هو من سيُقدّم نفسه طعاما، بحيث يتمكّن التلاميذ من تناول طعام حياة أبديّة، طعاماً جديداً تماماً.
باختصار، التلاميذ مدعوّون ببساطة إلى استقبال الهبة المُعَدّة منذ الأزل. ولكنّها في نفس الوقت، هبة ينبغي الاستعداد لها جيدا. إنّها هبة عظيمة جدّاً تتطلّب وقتا وإعدادا كي يتمّ فهمها. إنّها بحاجة إلى مسيرة تجعلنا نُدرك عظمة هذا السرّ تدريجيّاً. ولهذا السبب، فإنّ الكنيسة، حتّى مع وجود تقاليد مختلفة في أماكن أخرى، تتيح لنا الوصول إلى هبة الإفخارستيّا فقط بعد إعداد كاف، وفقط عندما يتوفّر فهمها. حتّى في أيّامنا هذه، الّتي يبدو فيها الفوري وال “حالا وسريعا” مطلبا وإنجازاً اجتماعيّاً، فإنّ الإفخارستيّا تبقى سرّا يحتاج إلى الوقت، وإلى القبول وإلى الفهم.
إن الافخارستيا هي، في المقام الأول، خبرة وحدة وشركة: ما يوشك أن يعيشه التلاميذ ليس مجرد لحظة صداقة، وليس ذكرى ليلة خلاص وحسب، بل هو هبة عظمى تجعل الحب ممكنًا: إنّه الينبوع الّذي تُغرف منه كل شراكة ممكنة. وهذا هو اكتمال العهد. في سرّ الإفخارستيّا، الحبّ هو الغذاء الحقيقيّ.
بدون هذه الهبة، ليس هناك إمكانيّة للشراكة، لأنّ الإنسان يجد، داخل سرّ هذا العشاء، المغفرة المحييةً، التي تجعله قادراً على المحبّة مرّة أخرى. لا يوجد شراكة ممكنة دون تناول هذا الجسد المكسور والممنوح، ودون هذا الجسد الّذي يضمّنا إلى ذاته في جسد واحد.
عندما نحمل الخبز والخمر بين يدينا، وهما يرمزان إلى حياة الإنسان بأكملها، وعندما نقدمها للآب، يُعيد يسوع حياتنا إلى مانحها، ويجعلها هبة للإخوة.
وبهذا الشكل، لا تكون الإفخارستيّا مجرّد مبادرة عابرة، أو لحظة سريعة في حياة يسوع: بل هي، بالأحرى، الأسلوب، والأسلوب الطبيعي للعيش، أسلوب يدعونا إلى أخذ حياتنا بين يدينا، تماماً كما هي، من أجل تقديمها هبة للاب، لنعيد له ما سبق ومنحنا إياه.
دعونا نعود اليوم أيضاً، إلى الآية الأولى من بشارة القدّيس مرقس، إلى كلمات يسوع الأولى، تلك الكلمات الّتي يُعلن، بموجبها، اقتراب ملكوت الله (مرقس ١: ١٥).
اليوم نفهم كلمات يسوع هذه بشكل أفضل، لأن ملكوت الإله أصبح قريباً: إنّه قريب، وحاضر في الكنيسة الّتي تعيش الإفخارستيّا؛ إنّه حاضر عندما تحيا الكنيسة من الإفخارستيّا، أي عندما تسمح لنفسها أن ترتوي منها إلى حدّ أن تصبح الإفخارستيّا أسلوب حياة، ومنهجا للحب والخدمة.
- بييرباتيستا