البطريركيّة اللاتينية تبتهج برسامة ثلاثة كهنة جدد

نورسات الاردن

ابتهجت البطريركية اللاتينية بالرسامة الكهنوتيّة لثلاثة شمامسة من المعهد الإكليريكي البطريركي، وهم: الأب رامز الطوال من رعيّة يوحنا المعمدان في مادبا، والأب وجدي سهاونة من رعية مار يوسف في المفرق، والأب لويس سلمان من رعية قلب يسوع في تلاع العلي.

جاء ذلك خلال القداس الاحتفالي الذي ترأسه بطريرك القدس للاتين بييرباتيستا بيتسابالا، مساء يوم امس الخميس 12 آب 2021، في كنيسة الراعي الصالح في عمّان، بمشاركة البطريرك فؤاد الطوال، ورئيس أساقفة أبرشية تونس المطران إيلاريو أنتونياتسي، والنائب البطريركي للاتين في عمّان المطران وليم شوملي، والمطران بولس ماركوتسو، والمطران سليم الصائغ.

كما شارك في القداس الرئيس الجديد للمعهد الإكليريكي في بيت جالا الأب برنارد بوجي، والأب فرنسيس شاهين اشبينًا للشماس وجدي، والأب جهاد شويحات اشبينًا للشماس رامز، والأب بشار فواضلة اشبين للشماس لويس، ولفيف من الكهنة والشمامسة، وحضور حشدٍ من الراهبات وأهل الكهنة الجدد والمؤمنين. فيما قدّم شروحات القداس الأب مروان حسان، وترانيمه جوقة قلب يسوع الأقدس بقيادة فارس عباسي ونتالي سمعان.

وبعد إعلان الإنجيل المقدّس، قدّم رئيس المعهد المترشحون لنيل الرسامات الكهنوتيّة لغبطة البطريرك، مؤكدًا بأنّهم أهلٌ لدرجة الكهنوت المقدّس. من بعدها ألقى البطريرك بيتسابالا عظة تناولت حوار السيد المسيح مع بطرس (راجع، يوحنا 21: 15-19)، وقدّم الترجمة العربيّة الأب رفعت بدر.

وبعد العظة، أعلن الشمامسة عن رغبتهم لنيل سر الكهنوت المقدّس، لترفع من بعدها الكنيسة الأرضيّة طلبة القديسين كتعبيرٍ عن اتحادها مع الكنيسة السماوية حول الكهنة الجدد المستلقين أمام مذبح الرب. من ثمّ، وضع البطريرك والأساقفة والكهنة أيديهم على رؤوس المتقدمين لسرّ الكهنوت، وهي العلامة المعتمدة في الكتاب المقدّس منذ بدء الكنيسة لطلب حلول نعمة الروح القدس. ومن بعد الصلاة، ارتدى الشمامسة حلّلهم الكهنوتية، ليمسحهم البطريرك بزيت الميرون المقدّس. كما سلّم غبطته الكأس والخبز إليهم، لتعلوا من بعدها أصوات التصفيق والزغاريد والابتهاج لولادة كهنة جدد.

عظة القداس

وخلال القداس، ألقى البطريرك بيتسابالا عظة جاء فيها: “أخيرًا، لقد وصلتم أنتم أيضًا إلى اليوم الذي طال انتظاره. بعد سنوات طويلة من الدراسة والاستعداد، وبعد الكثير من الأفراح وبالتأكيد المصاعب وسوء الفهم، بعد أن عملتم على أنفسكم، وقبل كل شيء بعد الكثير من الصلاة، حان الوقت لـ’نعمكم‘ النهائية لله وللكنيسة. دعونا نحاول بإيجاز أن نفهم، بناءً على المقطع الإنجيلي الذي اخترتموه، بعض الحقائق المهمة للخدمة التي ستحملونها في كنيسة الله ككهنة للمسيح”.

وقال: “يرافقنا في هذه الرحلة الرسول بطرس، الذي نلتقي به في لحظة صعبة من تاريخه: أولاً، خلال مراحل درب الصليب، أنكر يسوع وصديقه ومعلمه وتركه في أيدي من قادوه إلى الموت. وقد فعل كل هذا بعد أن وعد بالولاء الكامل. ثم بعد القيامة، وجد بطرس الرب حيًا وقام وفرح مع الرسل الآخرين في هذا الانتصار على الموت. لكن شيئًا من الخجل بقي في قلبه. لا يمكن لبطرس أن ينسى تلك اللحظة. وهذا ما يذكرنا به مقطع إنجيل اليوم. وهناك يلتقيه الرب”.

أضاف: “أول ما يقال لنا اليوم هو أن كل تلميذ -وبالتالي أنتم أيضًا- على مثال بطرس، إنسان غير قادر جدًا على المحبة. أو بالأحرى، قادر على المحبة حتى تصبح حياته على المحك، وقادر على الحماس الكبير وفي نفس الوقت الهروب الكبير. لكنه قادر أيضًا على التوبة العظيمة والدموع الحقيقية. لا يختار الرب بطرس والتلاميذ لأنهم أفضل من الآخرين، أو لأنهم رجال مختلفون. لا، إنهم أناس مثل أي شخص آخر، وفي قلوبهم ما يعيش في قلوب الجميع، أي مزيج من الخير والشر والإخلاص والخيانة”.

تابع: “وهذا ينطبق عليكم. لا تظنوا بأنه تم اختياركم لأنكم أفضل من الآخرين. لا تفكروا أن لحظة الفرح والحماس هذه لن يتبعها التعب وخيبة الأمل. تذكروا إذًا أنكم هنا، لأنّ الرب قد اختاركم وأحبكم أولاً. أنتم لستم أبطال هذه اللحظة، لكن الرب هو الذي يجعلكم له. ومع ذلك، فإن الوعي بمحدوديتكم وصغركم لا ينبغي أن يكون سببًا للإحباط. أو النظر إلى الوراء. كما هو الحال مع بطرس، يجب أن يكون ذلك أيضًا سببًا لتعزيتكم. على الرغم من كونكم خطأة، فقد تم اختياركم من قبل الله -مثل بطرس- لتكونوا خدامًا له. لذلك، فإن بطرس والآخرين هم رجال ضعفاء ذوو هشاشة، يعالجهم الرب باستمرار ويجعلهم جددًا، ليس لأنهم يستحقون ذلك، ولكن لأن الرب هو فعلا الشخص الذي يتوجه دائمًا في طريقه إلى الآخر، ولا يتركه حتى عندما التقاه وأحبّه في حقيقته”.

وقال البطريرك بيتسابالا: “أسئلة يسوع الثلاثة لبطرس (يو 21: 15-17) التي سمعناها في الإنجيل هي تذكير واضح بالإنكار الثلاثي (يو 18: 16-27). لذا، يبدو الأمر كما لو أن يسوع أراد أن يعيد بطرس إلى تلك الليلة. لا لإذلاله ولا لومه، بل لأنه يحبّه حقًا، وبالتالي لا يستهزئ بخطيئته، لا يستهين بها، ولا ينساها كثيرًا. هناك طريقة يغفر بها الرب وهي ألا ننسى، بل أن نبقي ذكرى الخطيئة فينا، في محدوديتنا، حتى لا يتم استبعاد هذا الحدّ من العلاقة معه ويصبح بالفعل مكانًا للحب والمغفرة، بداية جديدة. أيها الإخوة الأعزاء، إذا شعرتم بأنكم محبوبون ومن ثم غفر لكم الله، فيمكنكم أن تصبحوا خدامًا حقيقيين وصادقين لمغفرته. من خلال الاعتراف بأنفسكم بأنهم خطاة، ستتمكنون من أن تصبحوا مبشرين للآخرين بمغفرة الله التي هي أعظم وأجمل ابداع في المسيحية”.

أضاف: “ربما كان الرسول بطرس يفضّل أن ينسى إنكاره. لكن يبدو أن الرب يقول له إن أهم شيء ليس خطيته، بل صداقته معه، وأن هذه العلاقة، إذا قبل بطرس فقره، لا يمكن أن تفشل أبدًا. هناك ولد بطرس من جديد، وولد من جديد فقيرًا، وديعًا، ورحيمًا، لأنه لم يعد مضطرًا لإثبات أي شيء لأي شخص. لا يسعه إلا أن يشكر. فليكن ذلك لكم أيضًا. ليس عليكم إثبات أي شيء. ليس عليكم إثبات مهارتكم وقدرتكم على فعل الأشياء. بدلاً من ذلك، اجعلوا من حياتكم فعل شكر جزيل. عبّروا دائمًا عن الفرح والامتنان لله الذي أحبكم وغفر لكم وخلصكم”.

تابع: “علاوة على ذلك، عندما يفعل الرب شيئًا جديدًا، فإنه يفعله بطريقة وفيرة: في الواقع، يعهد يسوع إلى بطرس بمسؤولية جديدة، وهي أن يكون راعٍ لخرافه. في الإنجيل الذي سمعناه، هناك صلة واضحة بين الحب والخدمة. لا يطلب يسوع من بطرس تبريرات لخيانته، ولا يسأله عن ولائه ونواياه الصحيحة. لكنه يسأله ببساطة عمّا إذا كان يحبه. ويوافق بطرس على البقاء في هذا الحوار الذي هو بالتأكيد صعب عليه، والذي يعيده بوضوح إلى خيانته، إلى فشله المؤلم. يجيب بطرس، لا يهرب، ولا يتهرب من السؤال، إنّه يقبل تلك المواجهة الصعبة مع الحقيقة. وفي هذا السياق، ولهذا السبب بالتحديد، عهد إليه يسوع بالخدمة. وهو ما تحصلون عليه أيضًا اليوم، ولكن ليس لأنكم لم تنكروا المسيح أبدًا أو كنتم دائمًا أمناء ومخلصين، ولكن لأنكم تحبون الرب. في كل مرة يغفر لنا ويحبنا، يحمّلنا مسؤولية جديدة، نحن مدعوون مرة أخرى لنكون أطفالًا، للاستماع بطريقة جديدة للكلمة: ’اتبعني‘ التي قالها القائم من بين الأموات، والذي يغفر دائمًا من جديد بحيث لا أحد يترك بدون فرصة للحب”.

وقال بطريرك القدس للاتين: “أنتم أيضًا ستكونون رعاة، وستُعهد إليكم مسؤولية رعاية القطيع. ستقودون الخراف بحكمة إذا بقيتم راسخين في محبة الله، وإذا أحضرتم إليه الخراف وليس عندما تجعلونها تعتمد عليكم. اليوم يحل عليكم الروح ليمنحكم أسلوب الحياة الذي يتميز به الرب. لا تنسوا حدودكم وخطيتكم، لكن رحبوا بها، مثل بطرس، مع الرب، ودعوا أنفسكم محبوبين بهذه الطريقة. هذا هو الشيء الأكثر ثوريّة الذي يمكنكم القيام به. ثم تعلموا بتواضع، يومًا بعد يوم، أن تحبوا أيضًا بهذه الطريقة: من خلال الاقتراب من الآخرين، دون إصدار أحكام، ولكن أن تشهدوا في جميع الحالات أنتم أنفسكم  مع جميع الحالات أن كل موت، وكل ألم، وكل تعب، وكل دمعة يمكن أن تتحول إلى حياة. وأن هناك دائمًا رجاء. يوجد دائمًا رجاء. هذا ما يجب أن يسمعه الناس منكم. لكن ليس بفمكم، بل بشهادة حياتكم”.

أضاف: “هذا أصعب بكثير من إلقاء عظة جيدة أو تنظيم لقاءات في الرعية أو تقديم التعليم المسيحي: لأنه أمر لا يمكن قوله بالكلمات، بل في الحياة فقط. إنها مسألة محبّة: محبّة للرب والإخوة معًا، لأنه لا يوجد سوى محبة واحدة. بهذه الطريقة فقط ستشهدون الرب. من الضروري الحفاظ على هذه العلاقة، قبل كل شيء، في الصلاة، في الزهد، في اهتمام القلب بكلمة الله. وحتى عندما يبدو لكم أحيانًا أنكم فقدتم هذه العلاقة، لا تخافوا! هناك ستتمكنون من سماع كلمة الرب مرة أخرى: “هل تحبني؟ (يو 21، 15). ثم مرة أخرى: اتبعني (يو 21، 19)”.

وخلص البطريرك بيتسابالا في عظته إلى القول: “أعزائي، سترافقكم الكنيسة كلها في هذه المغامرة الرائعة التي هي خدمة المسيح في الكنيسة ككهنة أعزاء له. مبروك لكم جميعًا وتحية خاصة لعائلاتكم الذين هنا اليوم يحتفلون بالرب ويسبحونه على هذه الهدية العظيمة التي وضعت اليوم بين أيديكم”.

Comments are closed.