سلسلة تأملات في القداس الإلهي.. التأمل الرابع

نورسات الاردن


الآن غسل الكاهن يديه ونحن متفقين أنه ليس غُسلا طقسيا بل تحريض حسي للكاهن للسعي نحو النقاء والقداسة .
ثم يمضي ويهيء المذبح والأواني المقدسة وهو يترنم بالترنيمة التالي درجا :
استعدي يا بيت لحم فقد فُتحت عدن للجميع . تهيئي يا إفراثا لأن عود الحياة قد أزهر الآن في المغارة من البتول . لأن بطنها قد ظهر فردوسا عقليا فيه الغرسة الإلهية التي منها نأكل ولا نموت مثل آدم . المسيح يولد مُنهِضا الصورة التي سقطت قديما
في وقوف الكاهن أمام المذبح المقدس يراه مذود بيت لحم فقد رأى الآباء القديسون في تأملاتهم المذود مذبحا وضع عليه الحمل المُعَد ليكون خروف الفصح الجديد وسموا المناسبة برمتها أي عيد الميلاد سموه الفصح الشتوي .
يتأمل الكاهن وهو ممسك خبز التقدمة بيديه سر تدبير الله الذي لم تعرفه الملائكة منذ القديم وهو بيديه يستخرج من الخبز ذاك الحمل المُعد ليكون طعاما للمؤمنين يقويهم ويثبتهم ويغفر خطاياهم .
في تأمله يرى الكاهن نفسه هو الخاطئ الأكبر إذ قبل البدء يسجد ثلاثا قائلا اللهم ارحمني أنا الخاطئ وارحمني .
يا ليت الكاهن يفكر ويتأمل ما أمامه كيف بيديه سيهيئ التقدمة المقدسة وهو عمل لم تجسر الملائكة القديسون على عمله فالخلاص قد أتى للبشر وليس للملائكة فالكاهن ينجذب وجدانيا وعاطفيا وروحيا للسر الذي سيراه بعد قليل .
يرفع خبز التقدمة متمتما في سره بالترنيمة التالية :
اشتريتنا بدمك الكريم من لعنة الناموس وبطعن جنبك بالحربة أنبعت لنا الخلود فيا مخلصنا المجد لك .
وبهذه الترنيمة يذكر الكاهن قد ذكر قول الرسول بولس :
اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ». غلاطية 3 : 13
فالذبيحة التي تمت على الصليب لا يكررها الكاهن هنا بل ما يعمله هو استمرار لمفعول تلك الذبيحة عبر الأجيال حتى مجيء الرب الثاني .
تلك الذبيحة التي حلتنا من لعنة قديمة حين قال الرب لآدم ملعونة الأرض بسببك . تكوين 3 : 17
وبحلنا من اللعنة القديمة بذبيحة الصليب صار لنا الخلود في الحياة الأبدية لمن يؤمن .
في تلك اللحظات لا يدري الكاهن أين هو أهو في مغارة الميلاد بدء السر الخفي منذ الدهور وإعلانه أم هو أمام الجلجلة الرهيبة حيث الصليب وعليه تم الفداء المؤبد .
إنها لحظات عصيبة تعصف بالكاهن المتأمل ولا يملك ساعتها من أمره شيئا بل يتأمل ما تعمله يداه بواسطة رئيس الكهنة الأعظم يسوع المسيح الذي كان هو الكاهن والذبيحة معا فكانت ذبيحة الصليب ذبيحة فريدة من نوعها ساري مفعولها عبر الأجيال لتقديس الكاهن والمؤمنين جميعا بالروح القدس .
آمين

Comments are closed.