سانت إيجيديو: دزموند توتو عرف كيف يجسد خدمته للإنجيل من خلال العمل ضد كل أشكال الظلم

نورسات الاردن

شكل رحيل رئيس الأساقفة الأنغليكاني دزموند توتو، الذي وافته المنية في السادس والعشرين من الجاري عن عمر تسعين عاما، مصدر حزن للكنيسة والعالم. كان الراحل رمزاً لمناهضة الأبرتهايد في أفريقيا الجنوبية وقد مُنح جائزة نوبل للسلام عام ١٩٨٤، وقد تذكره البابا فرنسيس في برقية تعزية، سلط فيها الضوء على التزامه من أجل تحقيق المساواة والمصالحة.

للمناسبة أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع السيد Leone Gianturco من قسم الشؤون الدولية في جماعة سانت إيجيديو، تذكر فيها الزيارة التي قام بها الراحل إلى روما عام ١٩٨٨، من أجل تدشين ما سُمي بـ”خيمة إبراهيم”، التي كانت أول بيت أنشأته الجماعة الكاثوليكية لإيواء اللاجئين. وقال إن القوة المعنوية التي كان يتمتع بها رئيس الأساقفة توتو لا يمكن أن تُنسى، تماما كإيمانه المسيحي. وأضاف: أتذكر أنه عندما جاء إلى مقر الجماعة في حيّ “تراستيفيريه” بروما لتدشين “خيمة إبراهيم”، أدركتُ أنه يوجد أمامي شخص يخاطب الناس بكلمة الله، خصوصا وأنه عرف كيف يجسد دعوته وخدمته للإنجيل من خلال العمل ضد كل شكل من أشكال الظلم. وكان رجلاً يترك وقعا قويا لدى الأشخاص، وكان يتمتع بإنسانية كبيرة.

تابع المسؤول في جماعة سانت إيجيديو يقول إن رئيس الأساقفة الأنغليكاني الراحل عرف كيف يرسّخ إنسانيته هذه ضمن إيمانه العميق. وعندما مُنح جائزة نوبل للسلام، كان معروفا بنضاله ضد الفصل العرقي، أو الأبرتهايد، في أفريقيا الجنوبية. وسرعان ما أصبح شخصا غير مرغوب فيه لدى كثيرين بسبب معارضته لقتل السود العملاء من قبل السود أنفسهم. وقد تمكن هذا الرجل من تخطي الحواجز كافة أيضا بفضل إيمان عميق في حياة مختلفة، وكان أمامه شعب يعيش صراعاً حاول أن يقوده باتجاه المصالحة. ولفت جانتوركو إلى أن رئيس الأساقفة توتو ترأس لجنة المصالحة في أفريقيا الجنوبية وسلك طريقا عسيراً، مؤكدا أنه لا يوجد مستقبل بدون مغفرة، وهذه المغفرة تتطلب الاطلاع على معاناة الأشخاص. وعندما ذهب إلى رواندا وقف باكياً أمام عمليات الإبادة، وكان شخصا اختبر بشكل مباشر وبجرأة مآسي زمانه وقد وجد في الإيمان القوة اللازمة لمواجهة كل تلك الصعوبات.

ردا على سؤال حول ما إذا كانت تعاليمه تصحّ اليوم أيضا، قال السيد جانتوركو إن هذا أمر بديهي، لافتا إلى أن جماعة سانت إيجيدو، الملتزمة لصالح السلام والتعايش الأخوي والتضامن والعدالة، تأثرت بمواقفه، وبرفضه التعامل بسذاجة مع مسألة المغفرة. وأضاف أنه لا يمكن أن نغفر للآخرين بشكل سطحي إذ لا بد من الانتقال من السخط الذي نشعر به حيال روايات الظلم إلى البحث عن الحقيقة. ومما لا شك فيه أن هذه المسيرة ليست سهلة، لكنها وحدها كفيلة في الوصول إلى المصالحة الحقيقية. هذا وأشار المسؤول في سانت إيجيدو إلى أن دزموند توتو، وبفضل إنسانيته العميقة، أدرك أيضا مشكلة عقوبة الإعدام، وكان في طليعة الأشخاص المعارضين لها. فكان يزور السجناء المحكومين بالإعدام، لأنه كان يرفض فكرة اللجوء إلى العنف وقتل شخص ما، لأنه لجأ إلى العنف وقتل شخصا آخر. وكان يؤمن بأن المغفرة هي الدرب التي تسمح لمن كان أسير الحقد بالإقرار بأخطائه وتجاوزها.

في ختام حديثه لموقعنا الإلكتروني تطرق السيد جانتوركو إلى برقية التعزية التي بعث بها البابا فرنسيس متحدثا عن إسهام توتو في تحقيق المساواة العرقية، وقال بهذا الصدد إن رئيس الأساقفة الراحل اختبر بنفسه التمييز العرقي، وناضل من أجل تخطي العنصرية على مختلف الأصعدة. وعلّمنا أن كل شكل من أشكال التمييز هو أمر خاطئ، وأن اعتبار الآخر مختلفاً عنا هو ضرب من الغباء، ويتعارض مع كل المفاهيم المسيحية والإنسانية. وخلال مراسم تشييع نلسون مانديلا عبر عن استيائه بسبب وجود قلة قليلة من البيض الذين تعاونوا مع الرئيس الأسبق، وكان يتوقع مشاركتهم لأنه كان يعارض كل أشكال العنصرية، وهذه هي قوة شهادته ومواقفه التي كانت منحازة فقط لقضية المساواة.     

Comments are closed.