السنة الطقسّية / Liturgical Circle ومعانيها

نورسات الاردن

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

تهدف الكنيسة من تنظيم إحتفالات السنة الطقسية لإحياء الأحداث‏ التي عاشها يسوع المسيح، لكي يتأمل بها المسيحيون، ويجعلوها طريقاً للاتحاد به أمام الصعوبات التي يواجهونها.

السنة الطقسية تجعل الزمن مقدساً للمسيحي، فأيام الاسبوع السبعة تدور حول يوم الأحد، يوم قيامة الرب من بين الأموات، انه قلب السنة الطقسية.

يبدأ اليوم للشرقيين من الغروب الى الغروب وهذا تأثير التقليد اليهودي، في حين يبدأ اليوم للغربيين من منتصف الليل الى منتصف الليل. يتبع التقويم الكنسي التاريخ القمري، ويتغير وفقاً للحساب اليولياني أو الغريغوري. الحساب اليولياني يُنسَب الى الامبراطور الروماني يوليوس قيصر (100 – 44 ق. م.) الذي يجعل للسنة 365 يوماً تتوزع على 12 شهراً باضافة يوم واحد على شهر شباط كل أربع سنوات وتسمى السنة الكبيسة. الحساب الغريغوري نسبة للبابا غريغوريوس الثالث عشر (1572 – 1585) وبينه وبين الحساب اليولياني اختلاف باحد عشر يوماً الى حد القرن السادس عشر. هناك ايضاً التقويم المصري الذي تبدأ فيه السنة بشهر تموز-اب ويحدد ثلاثين يوماً للشهر، وعليه يصبح عدد الأشهر لهذا التقويم 13 شهراً وللشهر الاخير خمسة أيام فقط، كذلك لليهود تقويمهم الذي يبدأ بشهر نيسان1.

اخذ يوم الأحد المكانة الرئيسية في الليتورجيا المسيحية بسبب قيامة المسيح من بين الأموات وترائياته لتلاميذه يوم الأحد: لمريم المجدلية (مرقس 16/ 9) ولتلميذي عماوس (لوقا 24/ 3) وللرسل معاً (يوحنا 20/ 19) ولتوما (يوحنا 20/ 26). الظهور الوحيد الذي لم يَذكر أسم اليوم كان على بحيرة طبرية (يوحنا 21/ 1).

يتكون الأسبوع من سبعة أيام، واليوم الثامن هو أواخري، أي الزمن الجديد، أي يوم عودة المسيح. نظم المسيحيون طقوسهم حول الأحد، يوم الرب (ديذاكيه 14) أي يوم الشمس (Sunday) بسبب قناعتهم بان المسيح هو “شمس البِر” (ملاخي 3/ 20).

وغَدَا الأحد بالنتيجة مركز الاحتفال الاسبوعي لهم، بعد ان كان التلاميذ في البداية يلتزمون بيوم السبت والتردد الى الهيكل للصلاة. ثم انفتحت أمام الكنيسة آفاقٌ للتغيير والانفصال عن اليهودية.

احتفال المسيحيين يوم الأحد إحياءً لذكرى قيامة المسيح كان يتم بشكل أساسي من خلال الاحتفال بالافخارستيا. يتبعه عشاء المحبة (أحياناً كان يتم)، انه اقتسام الطعام مع الأرامل والأيتام والفقراء لعيش المحبة التي أوصى بها المسيح. وعندما حصلت بعض التجاوزات، فُصِلَ عشاء المحبة عن الافخارستيا (1 قورنثية 11/ 21-22) ثم اتخَذَتْ مساعدة الفقراء أسلوباً آخر.

الاعياد: القيامة وحلول الروح القدس والميلاد والدنح ورفع الصليب أصبحت محطات مهمة في تنظيم السنة الطقسية.

عيد الميلاد، يعود تحديده الى منتصف القرن الخامس بتأثير القديس اوغسطينوس (+ 431) الذي حسب التاريخ 25 كانون الاول بناء على معطيات الإنجيل: بشارة مريم بالحمل بيسوع كان في الشهر السادس بعد حمل اليصابات بيوحنا (لوقا 1/ 36). خدمة زكريا في الهيكل كانت تحصل مرة في السنة في العاشر من الشهر السابع (لاويون 16/ 29) أي في شهر اوكتوبر- تشريم الأول. لذا تسعة اشهر من حمل مريم يمكن تكون الولادة في 25 كانون الاول (De Trinitate, 5,9 PL, 894). هذا ما يؤكده ايضاً القديس يوحنا الذهبي الفم (+ القرن الخامس). و نجد تاريخ عيد الميلاد في 25 كانون الاول في تقويم روماني قديم يعود

الى العام 336. اعتمد الغرب تاريخ 25 كانون الاول للاحتفال بالميلاد، بينما جمع الشرق الاحتفال بالميلاد مع عيد الدنح (الغطاس) في يوم واحد في السادس من كانون الاول.

المهم ان الاحتفال بعيد الميلاد ليس تاريخاً مؤكداً لولادة المسيح، انما استذكار لمجيئه الى العالم حاملاً رسالة إنسانية وروحية عميقة. أما الأعياد المريمية كالبشارة والانتقال فنظمت بعد إعلان مجمع أفسس (431) العذراء ام الله Theotokos.

تذكارات الشهداء. اضطُهِدَ المسيحيون منذ البداية بسبب إيمانهم وممارساتهم المتميزة عن الآخرين. وثمة سلسلة طويلة من الشهداء في بلاد الرافدين. يُنسب جمعُ أسمائهم وذخائرهم وتنظيم ترانيم لهم للاُسقف ماروثا الميافرقيني (350 – 420)، لكن هذا غير مثبّت علمياً.

أحاط المسيحيون الشهداء بتكريم خاص. مدحوا شجاعتهم وأمانتهم على إيمانهم حتى الموت، وطلبوا شفاعتهم، وجمعوا عظامهم حتى تبقى “ذخائر كريمة” عندهم. ودفنوها في مذبحٍ خاص الى جانب قدس الأقداس، وراحوا يكرمونها صباحاً ومساءً بتطواف وتراتيل خاصة. 

جمعة الشهداء (ܡܘܕܝ̈ܢܐ)، يحتفل المشرقيون في الجمعة الاولى بعد عيد القيامة بعيد المعترفين بالايمان، اي الشهداء. هذا الاحتفال يرتبط بأمر الملك الفارسي شابور الثاني (309 – 379) بقتل عدد كبير من قادة المسيحيين ومن بينهم البطريرك مار شمعون برصباعي ورفاقه الذين استشهدوا في يوم الجمعة العظيمة (جمعة الالآم) سنة 340. دام هذا الاضطهاد أربعين سنة. فبدأ المسيحيون يخلدون ذكراهم في الجمعة التي تلي عيد القيامة. ثم غدا تذكاراً رسميا للشهداء. وقد وصف هذه الجمعة الملفانان إشعيا وحنانا الحديابيني2.

الصوم الكبير، مارس المسيحيون الصيام منذ البداية اقتداءً بالمسيح الذي صام أربعين يوماً (متى 4/ 1-2). هناك نصوص لآباء الكنيسة تؤكد على الصوم والصلاة والتوبة. الصوم الكبير عند المشرقيين يبدأ الاثنين الاول بعد زمن الدنح وينتهي بسبت النور. يضم اربعين يوماً، اذا استثينا منها الأحد لأن الأحد هو تذكار قيامة الرب، فلا يمارس فيه الصيام. ثم أضافوا اليه ثلاثية قبل الاحتفال بعيد القيامة.

السنة الطقسية الكلدانية3

قام البطريرك إيشوعياب الثالث الحديابي (649 – 659م) بتنظيم السنة الطقسية لكنيسة المشرق تنظيماً جميلاً على محور “تدبير الخلاص – ܡܕܒܪܢܘܬܐ oikonomia” حتى يَنْصَبُّ إهتمام المؤمنين على مدار السنة، للتأمُّل في محطات حياة المسيح، يأخذون منه ويُضيفونه إلى ما هم عليه كي يتحولوا تدريجيّاً اليه فيكونوا صورة له. لربما من هذا المنطلق يسمي المسلمون خصوصاً الشيعة المسيحي، بالمسيح لان عليه ان يعكس نور المسيح وتعليمه!

 التدبير، سياق تصّوفي للتعرّف على شخص المسيح والإندماج فيه. إنه برنامج تنشئة على المواضيع الأساسية لإيمان الكنيسة، ووعيها بسرّ دعوتها، وتوجّه صلاتها ومسيرتها.

قسَّم البطريرك إيشوعياب السنة الطقسية إلى سبع فترات، والرقم 7 يرمز الى الكمال. تحتوي كل فترة مبدئيا على سبعة أسابيع أسماها ܫܒܘܒܥܐ أي أسابيع، ثم أضاف إليها فترتين أخريين، الأولى في مقدمة السنة الطقسية البشارة والأخرى في نهايتها تقديس الكنيسة. وتضم كل واحدة منهما أربعة آحاد.

الأزمنة الطقسية تعكس حضور المسيح بين المؤمنين عبر إحياء محطات حياته الرئيسية: البشارة والعماد (الدنح)، ورسالته التبشيرية، والآلام والموت والقيامة، ومجيئه الثاني.

تعرض السنة الطقسية على المؤمنين مراحل تاريخ الخلاص المختلفة بشكل راعوي رائع (الجانب الإيماني والأخلاقي) وتتكلل بزمن تقديس الكنيسة المجاهدة. من الجدير بالذكر أننا في صلاة قبل لاخومارا نذكر “الكنيسة المكللة” هذه إشارة الى إكليل الشهادة  (عدد الشهداء) ولا تعني الكنيسة الممجدة في الملكوت الابدي، لان كنيسة الارض تبقى كنيسة مجاهدة!

تتألف السنة الطقسية الكلدانية من عشرة أزمنة طقسية، منها ما يُختَزل بأحد واحد أو اثنين بسبب تاريخ عيد الفصح بحسب التقويم القمري. ولكل زمن محوره الخاص، ولكل أحد مزاميره وصلواته وتراتيله، ومداريشه، وتسابيحه وقراءته من الكتاب المقدس.

تمت مراجعة اولى للحوذرا سنة 1250 في الدير الاعلى (كنيسة الطهرة بالموصل)4 في زمن البطريرك سبريشوع الخامس ابن المسيحي (1226 – 1269)، ومراجعة أخرى قام بها السينودس الكلداني في دير الربان هرمزد بالقوش سنة 1853 في زمن البطريرك يوسف السادس اودو (1848 – 1878)، حيث رفع كل ما يوحي انه “نسطوري”. هذا ما قام به الاب بولس بيجان عندما طبع الحوذرا سنة 1886 – 1887 حيث اختصر بعض الصلوات وحذف البعض الآخر لنفس السبب5.

الأزمنة الطقسية

الأزمنة الطقسية الكلدانية – الآشورية متأثرة بطقوس كنيسة القيامة (اورشليم – القدس) كما تنقلها السائحة الاسبانية إيجيريا في يوميات رحلتها الى فلسطين وسوريا والرها (من سنة 381 – الى نهاية 384). في القسم الثاني من الكتاب تذكر هذه الطقوس والاعياد بالتفصيل6:

فيما يأتي مختصر لما تنقله إيجيريا عن السنة الطقسية في اورشليم مقارنةً بالسنة الطقسية المشرقية:

  1. عيد الميلاد – الدنح
  2. الصوم الاربعيني – الزمن الفصحي الاحتفال بالآم المسيح (الاسبوع المقدس)
  3. القيامة – الصعود
  4. حلول الروح القدس وزمن الرسل – البشارة
  5. عيد الصليب
  6. عيد النبي ايليا
  7. عيد تقديس (dedication) كنيسة القيامة في القدس.

الأزمنة الطقسية الكلدانية

زمن البشارة – الميلاد: زمن السلام والفرح والرجاء بميلاد المسيح. زمن البشارة قوامُه أربعة آحاد فضلاً عن أحدَين للميلاد. تُدخلنا البشارات إلى سرّ التجسد – التدبير وتعدّنا لاستقبالها من خلال السهر والصلاة والتأمل في الكتاب المقدس وعمل الإحسان والإنتباه لعلامات حضور الله. هذه البشارات لزكريا، إليصابات، مريم ويوسف هي لنا أيضاً.

زمن الدنح: زمن تجلي الله الثالوث. يشمل 7 – 8 آحاد. يُدخلنا إلى معرفة شيءٍ من سرّ الله المتجلّى لنا في الدنح – الظهور. وحيٌّ فريدٌ حيث يظهر الله الثالوث: بشخص يسوع المسيح الابن، وبصوت الآب: “أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضِيت” (لوقا 3/ 22)، وبشخص الروح القدس (الحمامة). هذه الصورة المُرتسِمة بالمعمودية في حياة المسيحيين وعلى وجوههم، ينبغي أن يشهدوا لها.

اُعتبر زمن الدنح “زمن التذكارات”، إذ يحتفل المشرقيون بتذكارات القديسين في أيام الجمع الواقعة فيها، على النحو الآتي: الجمعة الأولى: تذكار مار يوحنا المعمدان، الجمعة الثانية: تذكار الرسولين مار بطرس ومار بولس، الجمعة الثالثة: تذكار الإنجيليين الأربعة، الجمعة الرابعة: تذكار الشهيد مار أسطيفانوس (عيد الشمامسة)، الجمعة الخامسة: تذكار الآباء اليونان، الجمعة السادسة: تذكار الملافنة السريان والرومان، الجمعة السابعة: تذكار شفيع الكنيسة المحلية، الجمعة الثامنة: تذكار الشهداء الأربعين، الجمعة التاسعة: تذكار الموتى.

زمن الصوم: المشاركة في فصح (الآم) المسيح عبر الصوم والصلاة والتوبة. الصوم يأتي بعد الدنح، أي بعد العماد ويتضمن 6 أسابيع ويدوم أربعين يوماً، يليه الأسبوع المقدس الذي يبدأ بالسعانين ويُكلّل بأحد القيامة. الصوم زمن مُكَثَّف للخروج من المعتاد (الروتين) لمراجعة الذات وترويضها بالصوم والصلاة والصدقة. انه زمن الاهتداء وعيش الاخلاق المسيحية.

زمن القيامة: الدخول في سر قيامة المسيح والحياة الجديدة التي حققها. يتوزع على 7 آحاد. أحد القيامة ويسمى “أسبوع الأسابيع” ويليه “الأحد الجديد، أحد مار توما”. إنه الزمن الجديد، زمن الملكوت، فالمعمَّدون من الآن وصاعداً ينتمون إلى زمن القيامة، زمن الله. وتعرض آحاد هذا الزمن ترائيات المسيح لتلاميذه، مما يعزّز رجاءهم.

زمن العنصرة – الرسل: زمن الروح القدس ومرافقة الكنيسة الاولى بحمل الإنجيل الى العالم. تُختَم أفراح القيامة بأحد حلول الروح القدس الذي يسكب مواهبه على الرسل ويرسلهم للتبشير. يشمل 7 أسابيع. إنه زمن الكنيسة، فالمسيح صَعِد إلى السماء، واوكل الى تلاميذه والمسيحيين مهمة حمل الإنجيل الى جميع الشعوب. كل مسيحيّ هو رسولٌ وشاهدٌ.

زمن الصيف زمن نمو الكنيسة في الإيمان والقداسة والشهادة. يشمل سبع آحاد. زمن يهيمن عليه طابع مراجعة الذات والتوبة الى الله ونيل رحمته الواسعة وغفرانه.

إيليا – الصليب – موسى: زمن عودة المسيح والدينونة الأخيرة. هذه الازمنة التي يتوزع كلٌ منها مبدئياً إلى 7 آحاد، لكن قلما يحصل هذا. تُشَّدد على الدعوة الى التوبة لنيل الحياة الابدية. من المفيد أن يقطع الإنسان إهتماماته اليومية لكي ينزل إلى أعماق ذاته، مقَيِّماً ما حقَّقَه وما يتَطلع اليه. في نهاية زمن الصيف يقع عيد التجلّي: إيليا وموسى يحيطان بالمسيح، حضورهما شهادة لإكتمال الأزمنة، يتوسطهما عيد الصليب محور الخلاص وهو ثلاثة آحاد؟ هذه أزمنة متميزة الفاعلية لإستعادة الوحدة والتناغم التي خرَّبتها الخطيئة.

زمن تقديس الكنيسة: زمن دخول الكنيسة الى مجد ملكوت المسيح. قوامه اربع آحاد. التقديس عنوان هذا الزمن وختام السنة الطقسية. فالتدبير يهدف إلى تقديس “بيت الله وقلوب الناس”، حتى يكونوا جديرين بقداسة الله فينضَمّوا الى ملكوته

تهدف هذه الازمنة كلّها إلى شدّ المؤمن إلى الله، وتصويب نظره إليه لأنه يشكل “أرض ميعاده”.

لقد أدخلنا عددا من تذكارات آباء وقديسي كنيستنا في التقويم الجديد: تذكار الملافنة المشرقيين: يوحنا الدلياتي ويوسف بوسنايا وابراهيم النثفري وشمعون د طيبوثيه. وتذكار آبا الجاثليق، وربان بويا، ومار بينا، والاُسقف ميليس، و بريخيشوع، وفنحاس الشهيد، واذورهرمزد، وابراهيم الكشكري ابي الرهبان المشرقيين، واسحق النينوي، وافراهاط الحكيم، وسلطانة ماهدوخت، وتوما المرجي، باباي الكبير، ونرساي الملفان، وفبرونيا الشهيدة، ويزداندوخت، وماروثا اسقف ميافرقين، ويعقوب اسقف ميافرقين، وكوهشت ازاد، ومار قرداغ، والشهيدة تربو (شقيقة مار شمعون برصباعي)، والشهيد طهمزكرد، ومار اتقن، ومار سبريشوع الراهب، وعقبشما، وافنيمارن وبرعيتا، وايشوعسبران، ومار ايثالاها.

Comments are closed.