عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثالث للصوم، السنة ج
نورسات الاردن
بقلم: بييرباتيستا بيتسابالا
الأحد الثالث للصوم، السنة ج
ينقسم إنجيل اليوم (لوقا 13، 1 – 9) إلى قسمين يتكلمان عن نفس موضوع التوبة والّذين يَظهران، من النظرة الأولى، على أنهما لا يتفقان.
في القسم الأول (لوقا 13، 1 – 5)، نرى أشخاصًا يذهبون إلى يسوع ويخبرونه بحدث أليم: فقط قتل الجنود الرومان أشخاصًا جليليين كانوا قد أتوا إلى القدس، بينما كانوا يقدمون الذبائح في الهيكل.
كان أمرًا مزعجًا، وكان يمكن أن يفسّر على خلفية دينية. ذلك أن الموت العنيف كان يشكّل علامة عقاب من الله بسبب خطيئة ما ارتُكبت.
ينطلق يسوع من هذا الحادث ويتكلم عن حادث آخر مشابه: فقد مات ثمانية عشر شخصًا بسبب سقوط برج سلوان.
كان الاعتقاد الديني الشائع يقول إن هؤلاء الأشخاص أبغضهم الله لأنهم ارتكبوا خطيئة سبّبت لهم هذا القدر. وفي نفس والوقت، كان يمكن القول إن الأشخاص الذين لم ينلهم هذا العقاب هم أشخاصٌ صديقون ومقبولون في عيون الله.
يبتعد يسوع عن هذا النمط من التفكير من خلال سؤالين يطرحهما ويحيب هو عليهما: هل كان هؤلاء أكبر ذنبًا من الآخرين؟ لا، يقول يسوع، لأن الله ليس إلهًا يعاقب ويقضي على الشر بهذه الطريقة. وإن لم يكن هؤلاء أكبر ذنبًا من الآخرين، فهذا يعني أن الشر يسكن في قلوب الجميع، بنفس القَدَر، وإن لا أحد يمكنه أن يظن أنه في غنى عن التوبة.
هذا هو القسم الأول.
في القسم الثاني (لوقا 13، 6 – 9)، يعطي يسوع مثلاُ يبدو غريبًا نوعًا ما. فقد زرع رجلٌ شجرة تين في كرمه، لكن هذه الشجرة لم تعطِ ثمرًا. فطلب من الكرام أن يقطعها كي لا تعطّل الأرض دون فائدة. يتردّد الكرّام ويعِد أن يقوم بأمر غير اعتيادي لأي شجرة تين، بأن يعزق الأرض حولها ويلقي سمادًا (لوقا 13، 8). يقتنع سيد الكرم بالكلام ويترك الشجرة ليرى إن كانت ستحمل ثمرا أم لا.
نجد في وسط المثل فِعلَين في صيغة الأمْر. يقول سيّد الكرم لكرّامه: “اقطعها” (لوقا 13، 7) و “اتركها” (لوقا 13، 8).
يعبّر الفعل الأوّل عن الفكر الديني الشائع الذي يتكلم عنه القسم الأول في النص: إن لم يكن الإنسان أمينًا لواجباته الدينية، يتدخل الله ويقضي على الخاطئ. وبالفعل، نجد هذه الصورة في بداية العهد الجديد على لسان يوحنا المعمدان الذي يقول إن كل شجرة لا تعطي ثمرًا تُقطع وتُلقى في النار عند مجيء المسيح (لوثا 3، 9).
أما الفعل الثاني “اتركها” فهو تعبير عن قلب يسوع وتفكيره. فتاريخ الخلاص ما هو إلا تقدمة محبة مستمرة من الله إلى شعبه، تقدمة يجيب عليها الشعب دوماً بطريقة ناقصة وغير مناسبة (شجرة التين التي لا تعطي ثمرًا). لكن جواب الإنسان لا يؤثّر على عطاء الله الذي يجيب بالمزيد من الحب والعناية، مزيد مبالغ فيه، كما أن عزق الأرض وتسميدها حول شجرة التين مبالغ فيه أيضًا.
يظهر جواب الله أيضًا من خلال إعطائه وقتًا للزمن، لا موتًا مفاجئًا ومأساويًّا الذي يمنع الحصول على التوبة، هبة جديدة من خلال إعطاء المزيد من الوقت. وهنا تختلف الترجمات: فهناك من يقول: “اتركها سنة أخرى”، وهناك من يفضّل القول: “اتركها هذا السنة أيضًا”.
هذه الترجمة الثانية لها معنى مميّز، لأنها تذكّر ببدء بشارة المسيح عندما أعلن سنة نعمة ورحمة (لوقا 4، 19). هي اللحظة التي يمكن للإنسان فيها أن يعرف محبة الله، أي السنة التي يهبها الله لنا الآن، والتي تمّت عندما تمّ الزمان، أي في زمننا. لا يمكن إعطاء الثمر خارج هذه السنة، لأن الثمر ما هو إلا جواب على عطاء الله النهائي للبشر، والذي هو ابنه الوحيد. فالله يعطي مزيدًا من الوقت من جديد وينتظر الثمر.
من المهم إذا قراءة النصّين معًا. فالقسم الأول هو دعوة ملحّة إلى التوبة، بينما القسم الثاني هو تأمل في رحمة الله وصبره، بمعنى أن التوبة الحقيقية هي توبة من يختبرون صلاح الله. ومن لا يرتدّون إلى صورة الله هذه يهلكون بنفس الطريقة (لوقا 134، 3 و 5)، أي أنهم يؤمنون دون فائدة بإله يعاقب ويجازي.
Comments are closed.