تأملات البطريرك ميشيل الصباح

الخميس ٢٨/٩/٢٠٢٣
الأسبوع ٢٥ من السنة/أ
لوقا ٩: ٧-٩

٧. وسمع أمير الربع هيرودس بكل ما كان يجري، فحار في الأمر، لأن بعض الناس كانوا يقولون: إن يوحنا قام من بين الأموات،
٨. وبعضهم: إن إيليا ظهر، وغيرهم: إن نبِيًّا من الأنبياء الأوَّلين قام.
٩. على أن هيرودس قال: أمّا يوحنا فقد قطعت أنا رأسه. فمن هذا الذي أسمع عنه مثل هذه الأمور؟ وكان يحاول أن يراه.

“بَعضَ النَّاسِ كَانُوا يَقُولُونَ: إنّ يُوحَنَّا قَامَ مِن بَينِ الأَموَاتِ، وَبَعضُهُم: إنَّ إيلِيَّا ظَهَرَ، وَغَيرُهُم: إنَّ نَبِيًّا مِنَ الأَنبِيَاءِ الأَوَّلِينَ قَامَ” (٧-٨).
أقوال وإشاعات. لا أحد يعلم. البعض يقول إن يسوع هو يوحنا المعمدان، أو إيليا النبي، وغيرهم يقول إنه أحد الأنبياء قام. الإيمان لا يعتمد على ما يقول أو يفكِّر الناس. الإيمان عطية من الله، أكيدة لا شك فيها ولا تردد. إيماننا لا يُبنَى على آراء الناس. إننا نؤمن بالله، وبما قال الله. هو الذي يرسل الرسل والواعظين، وهو الذي يعطي نعمة الإيمان لمن يسمعونهم.
بدأ يوحنا الرسول رسالته الأولى بهذه الكلمات:
“ذَاكَ الَّذِي كَانَ مُنذُ البَدءِ، ذَاكَ الَّذِي سَمِعْنَاهُ، ذَاكَ الَّذِي رَأَينَاهُ بِعَينَينَا، ذَاكَ الَّذِي تَأَمَّلْنَاهُ وَلَمَسَتْهُ يَدَانَا مِن كَلِمَةِ الحَيَاةِ، لِأَنَّ الحَيَاةَ ظَهَرَتْ فَرَأَيْنَا، وَنَشهَدُ وَنُبَشِّرُكُم بِتِلكَ الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ لَدَى الآبِ، فَتَجَلَّتْ لَنَا” (١ يوحنا ١: ١-٢).
“ذَاكَ الَّذِي كَانَ مُنذُ البَدءِ، ذَاكَ الَّذِي سَمِعْنَاهُ، ذَاكَ الَّذِي رَأَينَاهُ بِعَينَينَا، ذَاكَ الَّذِي تَأَمَّلْنَاهُ وَلَمَسَتْهُ يَدَانَا…”.
“ذَاكَ الَّذِي كَانَ مُنذُ البَدءِ”. الله الأزلي يرسلنا، ونبشِّر به. ليس رأيًا أو تقليد بشر، بل هو “الَّذِي سَمِعْنَاهُ، ورَأَينَاهُ بِعَينَينَا، وتَأَمَّلْنَاهُ وَلَمَسَتْهُ يَدَانَا…”. بإيمان الرسل آمنَّا بالله، وبكلمة الله، الذي دخل في الزمن، وصار إنسانًا، سمعه رسل ورأوه ولمسوه بأيديهم وتأمَّلوا فيه. إنه كلمة الحياة، إنه الحياة الجديدة لكل الإنسانية، ولنا نحن الذين قرأنا كلمات يوحنا الرسول، وآمنّا. سمعنا شاهد عيان، وأعطانا الله نعمة الإيمان. الناس أدوات بين يدي الله. ونحن الذين آمنَّا أدوات بين يديه تعالى، حتى نشرك البشرية كلها فيما أُعطِينا، ولا سيما الذين هم جزء من حياتنا.
“وَنُبَشِّرُكُم بِتِلكَ الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ لَدَى الآبِ، فَتَجَلَّتْ لَنَا”. هذا ما نؤمن به، وهذا ما نبشِّر به، الحياة الأبدية، يسوع كلمة الله، الذي ظهر على أرضنا. ومنحنا الله النعمة لكي نرى، حتى نساعد كل من نلاقيهم في حياتنا، ليروا هم أيضًا. الله معنا. الحياة الأبدية ظهرت لنا. حتى نرتفع إلى الآب، ونحيا مع الآب. مع كل ما في حياتنا على الأرض من انشغالات وهموم، نحيا مع الآب. نبشِّركم بالحياة الأبدية التي كانت، وهي دائمًا كائنة، عند الله الآب. وأُعطِيَ لنا أن نحيا هذه الحياة الأبدية، على الأرض، حتى نساعد إخوتنا ليقبلوا هم أيضًا الحياة نفسها.
الإيمان ليس إشاعات بشر، بل هو عطية من الله. هو الإيمان بيسوع المسيح، كلمة الله الأزلي، خالقنا ومخلِّصنا. الإيمان هو أن نحيا بحياته الإلهية، بالرغم من كل ضعف في حياتنا الإنسانية، على الأرض.
ربي يسوع المسيح، إني أومن لكن زِدْني إيمانًا. علِّمني أن أحيا، بين هموم الأرض، الحياة الأبدية، معك. آمين.

Comments are closed.