تأمل غبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين

يولد كل طفل من أجل شخص ما: من أجل عائلة تنتظره، من أجل جماعة تستقبله، وتراه ينمو، وتنمو هي أيضاً معه وبسببه.

لقد ولد يسوع أيضًا من أجل شخص ما: لا من أجل شخص واحد فقط، بل من أجل الجميع.

إن المقاطع الإنجيلية التي تتحدث عن ولادته تخبرنا بالتحديد أن هذا الطفل لا ينتمي إلى عائلته فقط، ولا إلى عشيرته فقط، بل الى الجميع، من قريب وبعيد، فنحن مدعوون للمشاركة في حدث ولادته، والانخراط في فرح ونعمة مجيئه إلى العالم.

جاء يسوع من أجل الجميع. كل من يستقبل نعمة الله في حياته مدعو للانطلاق في رحلة، كما تأملنا في إنجيل الأحد الماضي.

تتكرر هذه الرحلة في حياة الإنسان المؤمن، لأن الإيمان في حد ذاته هو درب يتخلله بحث مستمر وانطلاق جديد متواصل.

وهكذا كان الأمر بالنسبة للمجوس.

لقد بدأنا زمن المجيء بدعوة إلى السهر حتى لا ندع “الكايروس”، أي الوقت المناسب، وزمن النعمة، يغيب عنا (مرقس 33:13-37).

يمكننا القول أن المجوس هم قبل كل شيء، أشخاص قبلوا الدعوة ولم يفوتوا فرصة الحياة: شاهدوا علامة، وأدركوا أنها لهم لينطلقوا في رحلة.

النجم الذي رآه المجوس، مثل سائر النجوم، لا يقف في السماء، بل يسير في مسار: يقول الإنجيلي متى أن النجم سبق المجوس، حتى وصل إلى المكان الذي كان فيه الطفل، وتوقف هناك. (متى 2: 9).

المراد بذلك أنه إن كنت تريد رؤية النجم باستمرار، عليك أن تتحرك معه، عليك أن تتبعه، وتسير على ذات الطريق. إذا وقفت ساكنا، فإن النجم سيختفي، لأنه لا يتوقف.

رأى المجوس النجم في السماء، سعوا ألا يفقدوا نوره ليبقى منيراً لهم الطريق، لذا تركوا أرضهم وساروا وهم لا يعرفون إلى أين سيصلون.

هذه الرحلة تتطلب ثقة.

لكن كيف سنحت لهم هذه الفرصة الفريدة؟ “الكايروس” كشف لهم ذلك من خلال نجم، مما يعني أن المجوس، رفعوا أبصارهم إلى الأعلى، وانفتحوا على أفق لا نهاية لها.

فالسهر يعني المشاهدة والانتظار ومراقبة السماء.

لم تحدهم الحدود والعالم من حولهم من الانتظار برغبة متزايد.  

كل رحلة تبدأ بنظرة، برؤية، فتقودك الى آفاق جديدة.

ثم وصلوا بتواضع إلى القدس.

مرّ على القدس العديد من الذين جاؤوا للقتال والنهب والاستيلاء على جمالها وكنوزها.

بينما يأتي المجوس للبحث عن مكان مخصص ومع أشخاص معينين، فمحور حياتهم وبحثهم تتمركز حول الانتظار.

لديهم سؤال في قلوبهم، وهو ثروتهم الحقيقية: “أين هو المولود ملك اليهود؟” (متى 2:2). حكماء، يبحثون عن حكمة أعظم، فهم يدركون بأنهم لا يعرفون كل شيء.

وهذا النقص قادهم للانطلاق والبحث وطرح الأسئلة والثقة.

يعرف المجوس أن الملك قد ولد، لكنهم لا يعرفون أين، لأن النجم لم يستقر في أي مكان بعد.

أين يولد الملك والرب، أين يمكن العثور عليه؟ نجد هذا السؤال في قلب كل إنسان.

وتتحقق رغبة المجوس عندما يلتقي الوحي بهم وسط مسيرهم، فيتوقفوا لسماع الكلمة، التي تعبر عن حضور الله، وستقودهم إلى بيت لحم، حيث يجدون النجم في انتظارهم، فهناك ملخص كل شيء.

أخيرًا، للرحلة خطوة أخيرة ضرورية، وهي سجود الحكماء للطفل: وقد تكون هذه الخطوة هي الأصعب في الرحلة بأكملها.

لأنه يطلب منا أن نؤمن بملكه. فهو سيد التاريخ.

هذه الخطوة التي لم يتمكن هيرودس من القيام بها، لأنها تتطلب شجاعة وتواضع متخلياً عن تاج الملك عن رأسه واضعاً إياه على رأس الطفل المولود المتواضع.

ومع ذلك، فإن يسوع، المولود من أجل الجميع، وُلد من أجل هذا: أن يحررنا من وهم القوة والعنف وكل ما يستنزف منا الحياة.

إن الحياة الحقيقية تدور حول إدراك عظمة الطفل الصغير الذي جاء إلى العالم مبشراً بدعوة الله أن يسير معنا من جديد.

+ بييرباتيستا

Comments are closed.