البطريركية الارثوذكسية تحيي عيد القديس سمعان

احتفلت الكنيسة الارثوذكسية والبطريركية الأورشليمية بعيد القديس سمعان الشيخ وهو الذي حمل السيد المسيح على ذراعيه وادخله الى الهيكل (لوقا الإصحاح 2)  وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ. فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: «الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ». وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. ويأتي تذكار القديس سمعان الشيخ في اليوم التالي لعيد دخول السيد المسيح الى الهيكل. 

اقيمت خدمة القداس الاحتفالي في هذه المناسبة في كنيسة دير القديس سمعان الشيخ الاثرية في حي القطمون وتحتضن هذه الكنيسة ضريحه. ترأس الخدمة الالهية غبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه كل من سيادة رئيس اساقفة قسطنطيني أريسترخوس, سيادة رئيس أساقفة سبسطية ثيوذوسيوس, سيادة متروبوليت الينوبوليس يواكيم, وآباء من أخوية القبر المقدس وممثل البعثة الروسية الروحية الأرشمندريت اليكسندروس. وحضر الخدمة القنصل اليوناني العام في القدس السيد إيفانجيلوس فُليوراس وعدد من المصلين.

وبعد الانتهاء من القداس توجه غبطة البطريرك مع الأساقفة والآباء الجميع الى ساحة الدير حيث قدّم الارشمندريت ثيوذوريتوس رئيس الدير ضيافةً بهذه المناسبة.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس سمعان الشيخ القابل الإله.16-2-2021

تعريب قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

أعْلَنَ الرَّبُّ خَلاَصَهُ. كَشَفَ عَدلَهُ قدّامَ الأُمَم... فَنَظَرَت أَقَاصِي الأَرْضِ جَميعَها خَلاَصَ إِلهِنَا. (مز97 :2-3) هذا ما يتفوهُ بهِ صاحب المزمور.

إخوتنا المحبوبون بالرب يسوع المسيح،

أيها المسيحيون الأتقياء والزوار الكرام،

     بما أنّ كنيسة المسيح المقدسة مصغيةً للأقوال الداؤودية اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ. رتلوا وَابتهجوا وسبحوا. (مز 97: 4) لهذا فقد جمعتنا اليوم في هذا المكان والموضع المقدس حيث مازال هنا إلى اليوم قبر الشيخ سمعان الصديق القابل للإله لكي نُعيّد لتذكاره من جهةٍ، ومن الجهة الأخرى لمشاركتهِ في الحدث التاريخي لدخول الطفل الجديد ربنا يسوع المسيح إلى مَقْدِسَ الله أي هيكل سليمان.  

     لما أبصرَ الشيخ بعينيهِ الخلاص الذي وافى الشعوب من الله. هتفَ إليكَ أيها المسيحُ قائلاً: أنتَ إلهي. وبتوضيحٍ أكثر أيّ يا ربُ عندما رأى الشيخُ سمعان بعينيهِ الخلاصَ الذي أتى لجميعِ الشعوب صرخَ بصوتٍ عظيمٍ قائلاً: أيها المسيحُ أنتَ هو إلهي الذي وُلِدَ من الآب. هذا ما يتفوه بهِ مُرنِمُ الكنيسةَ القديس قُزماس الذي أَصْغى لشهادةِ لوقا الإنجيليّ الصادقة وهي” فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ،أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَالآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ.نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ. (لوقا 2: 27-32).

     وبحسبِ تفسيرِ آباءِ الكنيسةِ المتوشحينَ بالله، إنّ خلاصَ الله الذي رأَتهُ عينا الشيخ سمعان ليسَ هو إلا المسيح. فالقديس ثيوفيلكتوس يقول: بأن الخلاص الذي قاله الشيخ سمعان هو تجسد ابن الله الوحيد. وأما زيغافينوس فيضيفُ: بأنّهُ الخلاصُ الصائرَ للبشرِ. وأمّا باسيليوس الكبير فيوضّح بأنّ الكتابَ المقدس يُسمي المسيح الإله بأنّهُ هو الخلاص. وبحسب أثناسيوس الكبير فإن الخلاص بالنسبة لنا هو حضورهِ بالجسد. وأما كيرلس الإسكندري فيقول إن خلاص المسيح قد أُعِدَّ من قَبْلِ تأسيس العالم ولكنهُ أُظهِرَ في الأزمنة الأخيرة. مستنداً بأقوالهِ هذه على كرازة القديس بطرس الرسول:”عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، (1بطرس 1: 18-20)

     فها قد أصبح جَلِيَّاً كما يؤكّدُ القديس يوحنا الدمشقي، بأنّ خلاص الله هو كلمةُ الله نفسهُ الذي سَكَنَ في أحشاءِ القديسةِ العذراء في آخرِ الأيامِ لأجلِ خلاصنا وتجسدَ منها بغيرِ استحالةٍ ووُلِدَ.

    لمْ يعترف فقط البارُ سمعان بأنّ الطفلَ الذي حملهُ على أحضانهِ هو المسيحُ مُخلِصَ العالم، بل قد صارَ أيضاً معايناً للنور غير المخلوق الذي لا يُسبر غورهُ أي ألوهةَ المسيح كما يُعلّم بوضوح القديس باسيليوس الكبير، إنّ حنةَ تفرحُ و سمعان يضمُّهُ على ذراعيه ويسجدون للإله العظيم الذي صار طفلاً  فلا يزدرون بالحدث المنظور بل يمجدون عظائم ألوهة “الطفل” فالشيخ سمعان وحنة النبية رأيا القوة الإلهية التي كانت في المسيح ” كنورٍ عبر أغشيةٍ زجاجية من خلال الجسد البشري تماماً كما نُبصر النور في المنزل عبر النافذة أو كما نُبصر النور عبر الأنوار الزجاجية هنا أيضاً فإن طاهر القلب يرى عبر جسد المسيح نور الألوهية غير المعلوم وغير المرئي للآخرين.

    من الجدير بالذكر بأنه”كَانَ قَدْ أُوحِيَ (لسمعان) بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ. (لوقا 2: 26) ولكن أيضاً لم يتوقف أبداً البار سمعان طيلةَ حياتهِ عن حفظ عيْنَيّ قلبه طاهرتين لأن الرب يقول” طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ. (متى 5: 8) وسليمان الحكيم يهتِفُ قائلاً: نُورُ الصِّدِّيقِينَ يُفَرِّحُ، وَسِرَاجُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ (أمثال 13: 9).

     يتميزُ الشيخ سمعان بأنّهُ من الشخصيات العظيمة ولا سيما أنبياءَ العهد القديم وذلكَ لأنّهُ استحقَ أن يَسجُدَ للإلهِ العظيمِ كطفلٍ صغير، الذي هو المسيح بَيْد أن أنبياءَ العهد القديم قد سَبَقَ وتنبأوا بتجسدِ كلمة الله المسيح من البتول.

    إنّ وجودَ رفاتِ القديس سمعان غير البالية، يُشكِّلُ دليلاً قاطعاً لشهادة النعمةِ والمجد اللتانِ حَظِيَ بهما من قبلِ الرب كما يهتفُ صاحب المزمورِ قائلاً: النور أشرق للصديقين والفرح لمستقيمي القلوب (مزمور 96: 11). وهذا يعني بحسب القديس كيرلس الإسكندري: أن النورَ قد أشرقَ أيّ قد بزغَ أمّا في الإنسان الصالح والبار فإنّ النورَ الإلهيّ يُشرقُ في قلبهِ وعقلهِ على الدوام.

       إنّ النورَ الإلهيّ الذي أشرقَ للصديقين ليسَ هو إلا من قوةِ الروح القدس المنيرة والتي من خلالها تنبأ الشيخ سمعان نبوياً يقول لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: (أي لأم الطفل يسوع) «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُوَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ (لو 2: 34_35).

      ويُفَسّرُ القديس كيرلس الاسكندري ما سبقَ قائلاً: إن عمانوئيل قد وُضِعَ من الله الآب لأجلِ أسَاسات صهيون. إذ هو حجرُ زاويةٍ مختارٌ كريمٌ والذي يؤمنُ بهِ لن يَخْزَى ولكنَ كلّ من يَسقطُ عليهِ هذا الحجر فإنهُ يَسْحَقَهُ (متى 21: 44). وأما زيغافينوس فيقول بأنّ البارَ سمعان قد سَبَقَ وتَنبأَ عن أحزانِ العذراءَ مريم أمّ يسوعَ المسيح إذ دَعَى الآلام الشريفة الرهيبة بالسيف الذي سيجوز في قلب أم الإله عندما تُبصِرُ ابنها مُسَمّراً على الصليب ويُبَيِنُ بهذا الصدد أيضاً القديس كيرلس الأسكندري قائلاً:” سيَجوزُ سَيفُ “الآلام” طاعناً القديسة العذراء عندما مُعاينَتِها الذي ولد منها بالجسد مصلوباً.

      ختاماً نتضرع لمن نكرمهُ اليوم القديس البار سمعان القابل الإله لكي نحن المؤمنين بكلمة الله ربنا يسوع المسيح الذي وُلد من العذراء مريم، لا نخزى، بل بتوسلاتهِ يؤهلنا لملكوت السماوات ومع المرتل نهتف ونقول: فالمبدع الكل يُخلي ذاته والأزلي يأخذ بدايةً والكلمة يتجسد والجابِلُ يُجبل والغير الموسوع يُوسَعُ متجسداً في أحشاء والدة الإله لأجل خلاصنا.  فلهذا لا تكف متشفعاً من أجلنا نحن مكرميك.

  آمين

Comments (0)
Add Comment