أحد الفرّيسي والعشّار بقلم الأب نبيل حداد

الفريسيون طائفة قديمة وبارزة بين اليهود عُرفوا بمراعاتهم الدؤوبة للأمور الخارجية للشريعة. على الرغم من أنهم وفقًا لوصف المعلم له المجد “كُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ” (متى 23: 5) فكانوا مرائين وبسبب تظاهرهم بالقداسة في حياتهم، اعتقد الجميع أنهم أبرار، إذ حرصوا على أن يفرزوا أنفسهم بالإنعزال عن الآخرين. وهذا ما يعنيه اسمهم الفريسيون.


من ناحية أخرى، كان العشارون جامعو الضرائب، يمارسون الكثير من الظلم والابتزاز من أجل الربح الخسيس، واعتبرهم الجميع خطأة وظالمين. لذلك أشار الربّ يسوع في مَثله وفقًا لهذ الرأي السائد، إلى رجل “فاضل” كالفريسي، ورجل “خاطئ” كالعشار جامع الضرائب، ليعلّم تلاميذه أضرار الكبرياء ومكاسب التواضع.
ولما كان السلاح الرئيسُ للفضيلة هو التواضع، والكبرياء أكبر عائق أمامها، فقد خصص الآباء االقدّيسون هذه الأسابيع الثلاثة قبل الصوم الأربعيني للاستعداد بالجهادات الروحية للوصول الى الفضائل، فكان هذا الأسبوع للاستعداد السّابق للصوم وفيه الاعلان عن اقتراب موسم الصوم، ورسموا فضيلة التواضع كأساس لجميع أعمالنا الروحيّة، بتخصيص تلاوة مَثَل العشّار والفريسي في هذا اليوم، حتى قبل أن يبدأ الصوم ، ليعلِّموا من خلال تفاخر الفريسي، أن دخان التكبّر الكريه ونتانةَ التفاخر تزيلان نعمة الروح، وتجرّدان الإنسانَ من الفضيلة، وتطرحانه الى الحضيض. ومن خلال التوبة على مثال العشار والصلاة بانسحاق وندامة، فإن هذا التواضع يمنح الخاطئ مغفرة جميع أعماله الشريرة ويرفعه إلى أعظم المراتب. «والذبيحة لله روح منسحق. القلب المتخشع المتواضع لا يرذله الله»
أترى طهارة المتواضع؟ لننتبه جيداً لرجاسة المتكبر ! فإن كل ذي قلب متعجرف لا يبرر أمام الله.
إذن، لا تخف أن تضيع مجدك بتواضعك. فبالتواضع ترتفع.

“وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا” (متى 23 : 13 -15)