مفاجئات غير متوقعة في ملكوت السموات بقلم القس سامر عازر


حديث في منتهى الروعة دار بين المسيح وقائد المئة في إنجيل متى الأصحاح الثامن (مت 8: 5-13)، فقائد المئة هذا هو ضابط عسكري روماني له وزنه وله كلمته وله قوتّه والجميع يخشاه، ولكنه كان مفعمٌ بالإنسانية حتى تجاه خادمه الأمين، والذي لأجلِه كسرَ نفسَه وأتى عند قدمي يسوع يطلب منه أن يمنحه نعمة الشفاء.
صعبٌ أن يتخلَ المرء هذا الموقف بأن رجلا كبيرا القدر والمكانة المجتمعية والمنصب والتأثير، ولكن من شدّة حبه لخادمه الأمين المريض جداً يأتي إلى السيد المسيح، الطبيب الشافي، واثقاً بأنَّ المسيح قادراً بكلمةٍ منه أن يشفيه، رغم أنه لا يجد في نفسه أنه مستحق حتى أن يدخل المسيح عتبات بيته.
هذا النوع من الإيمان هو إيمان خفي قد لا نقدر أن نراه اليوم في قلوب الناس، ولكنه قد يكون إيماناً يفوق إيماننا نحن الذي دأبنا على خدمة الكنيسة والمجتمع وخدمة إنجيل المسيح، حيث لم يرتقِ إيماننا ليكون إيماناً صلبا راسخاً قويا متيناً، ولم يزد برُّنا على برِّ الفريسيين والكتبة، ولم ترتقِ محبتنا إلى محبة هذا الرجل، الذي لأجله إنقاذ حياة خادمه وشفائه كسرَ نفسَه أمام المسيح وطلب منه أن يشفي خادمه.
عادة الكبار يعّز عليهم طلب شيء مهما غلا ذلك الطلب، ولكن هذا الرجل تمايز عن رجال عصره بأنْ ملأ الله قلبَه بمحبةٍ مختلفةٍ عاشها في داخل قصره وبين أفراد عائله وحاشيته، فالمحبة كانت عنوان حياته. هذا العنوان هو عنوان غائب اليوم عن حياة الكثيرين وعن خدمتهم في الكنيسة والمجتمع، ولذلك تخلو قلوبهم من الرحمة ومن الشفقة، فلا لا يشعرون مع معاناة الآخرين، لا وبل قد يتسببون في معاناتهم وجراحهم وآلامهم وعذاباتهم. ولذلك يضعُ قائد المئة مجتمعاتِنا اليوم على المحك؟ فإين الإيمان في قلوب بني الإيمان؟ وأين المحبة التي تؤول إلى الرحمة والعطاء؟
لقد كشف قائد المئة هذا زيف إيمان ومحبة كثيرين من بني البشر الذين يُظهرون تديناً كاذباً، ورغم أنهم قد يتنعمون على موائد العالم التي تزخر بما لذّ وطاب، لكنهم لن ينعموا بالجلوس على المائدة السماوية مع أبينا إبراهيم واسحق ويعقوب، بل سيكون نصيبُهم خارجاً حيثُ البكاءَ وصريرَ الأسنان.
لذلك لا نستغرب بأننا سنتفاجأ بأن كثيرين ممن إعتقدنا أنهم أبناءُ الملكوت سيكونون خارجاً لأنَّ قلوبهم لم تكن تلك القلوب المؤمنة حقاً والمليئة بالمحبة والرحمة بخلاف ما ظَهَرَ منهم، وبأنَّ كثيرين ممن لم يخطروا ببالنا كقائد المئة هذا وكاللص التائب على الصليب وكمريم المجدلية سيتكئون على المائدة مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات.

لذلك، ما يتحدانا به قائد المئة هذا، هو أن نقفَ وقفةَ حقٍ مع أنفسنا، وأن نختبر عمق وصدق إيماننا ونقاوةَ محبتنا، لأنه مهما استطعنا أن نخدع الناس من حولنا فلنتذكر أننا لن نقدر أن نخدع خالقنا، فالله فاحص القلوب والكلى فهو “سينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب وحينئد يكون المدح لكل واحد من الله” ( 1 كو 4: 5)، والله وحده هيعرف جميع أعضائنا وهو القائل إلى إرمياء النبي “قبلما صوّرتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدسك، جعلتك نبياً للشعوب” (إر 4:1).