التعصب، غلوٌّ أعمى

نورسات الاردن

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

التعصب رذيلةٌ، ترتبط بمفاهيم التمييز العنصري: الديني والمذهبي، والقومي والطبقي والجنسي. لا تزال هذه الظاهرة مستمرة عند بعض الاشخاص والجماعات، وتشكّل عقبة أمام العيش المشترك.

اختلاف الناس واقع ملموس، وهو غنى ومِفتاح للتقدم والازدهار. الانسان تكاملٌ سليم، أما المتعصب فهو شخصٌ ناقص، غير متكامل، لا يعتمد العقل والتحليل، بل يتمسك بغيرة وحساسية وباحادية الرأي. إنه يرى الامور بعين واحدة، ولون واحد، ولا يعترف بالالوان الاخرى، بل يلغيها، بالرغم من ان وجود الالوان امرٌ مطلوب وجميل كألوان “قوس قزح”.

المتعصب يعتبر نفسه دوماً على الحق والاخرين على الباطل، حتى عندما توجد دلائل على الحقيقة. المتعصب لا يتحاور، ولا يشارك، بل يفرض رأيه بتعسّف على الاخرين. المتعصب لا يقبل التعددية والتنوع، ويعتبر الآخر المختلف عنه خصماً يجب إزالته. هذا يشكل تمييزاً عنصرياً له تداعيات خطيرة، تحرِّمه القوانين الدولية.

المتعصب لا يرى سوى الماضي وكأنه حالة جامدة صالحة لكل زمان ومكان، من دون النظر الى أن الحاضر مختلف، ولابد أن يكون المستقبل متغيراً! المتعصب يعتمد على بعض اجتزاءات مغلوطة ليؤيد رأيه!

يقوم الحوار على حركتين: الاصغاء والتحدّث. ولكي يغدوَ الحوارَ مثمراً يجب أن يكون لكلّ من المتحاورين الحقّ في الاستماع والكلام، بهدف التوصل الى نظرة مشتركة ترسّخ العلاقات اليومية الصادقة، والاّ الكل خاسر!! 

ينبغي التمييز بين الانتماء التاريخي الى كنيسة المشرق والانتماءات القومية.

هنا أذكر على سبيل المثال، إني دعوتُ نواب الكوتا الحالية الى لقاء حوار وعشاء. وبعد تقديم التهنئة ذكرتُ بكل صراحة اننا ندعم جهودهم الوطنية وايضاً وقوفهم الى جانب المكوَّن، مؤكداً على عدم تدخل الكنيسة في عملهم، ومتمنياً ان يكونوا فريقاً واحداً متماسكاً. لكني فوجئتُ بعد يومين بشنّ أحدهم حملة على اللقاء رافضاً مخرجاته. علماً أن هذا الشخص نفسه في أحد لقاءات الحوار بين الاحزاب والكنائس في عينكاوا صاح بأعلى صوته “كلكم آشوريون”!

مثال آخر أكثر غرابةً: بدأ المجلس الشعبي (الكلداني السرياني الاشوري) بنشاطات خيرية في بناء بيوت وكنائس في القرى، إنه عمل يقدَّر عليه، لكن المجلس تحوَّل فجأةً الى حزب سياسي وروّج لتسمية مركبة هجينة “كلداني، سرياني- اشوري” مع الإبقاء على العلم الآشوري غطاءً، اين اللون الكلداني والسرياني؟ أليس هذا التصرف الاُحادي تعصباً بغيضاَ..

حاولتُ أكثر من مرة أن أجمع الكلدان والسريان والآشوريين في لقاء للتوصل الى التفاهم وتوحيد المواقف والمطالب والخطابات، لكن معظم الأحزاب الآشورية كانت ترفض.

عندما نطالب بحقنا في تسميتنا الكلدانية، التي هي تسمية قومية وليست مذهبية كما يدّعون، لا نلغي السريان والآشوريين والأرمن بل نعترف بهم ونحترمهم ونحبهم. إن فرض تسمية واحدة ومن طرف واحد ومن دون توافق نرفضه جملة وتفصيلاً.

لا نزال في لحظة تاريخية هامة تتطلب اللقاء والحوار بانفتاح واحترام مع التركيز على المشتركات وهي كثيرة وقبول الاختلافات، وتعزيز الاخوة والتضامن والتعاون من أجل مستقبل أفضل لبلدنا وللمسيحيين.

Comments are closed.