رسالة قداسة البابا تواضروس الثاني لعيد القيامة المجيد 2022

نورسات الاردن

باسم الآب والابن والروح القدس، الاله الواحد، آمين.

خريستوس آنيستي، آليثوس آنيستي

اهنئكم جميعا بعيد القيامة المجيد لهذا العام 2022. أهنئ كل الإيبارشيات والكنائس والأديرة القبطية في مشارق الأرض ومغاربها. أهنئ كل الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرهبان. أهنئ كل الشمامسة وأعضاء مجالس الكنائس في كل مكان. وأيضًا أهنئ كل الأسر القبطية التي تحتفل بعيد القيامة المجيد، كل أسرة، كل أب وكل أم. أهنئ الشباب، والخدام، والخادمات، أهنئ الكبار والصغار. أهنئكم بهذا العيد المفرح الذي نحتفل به سنوياً.

في حياة السيد المسيح محطات كثيرة. في أثناء خدمته الجهرية والتي امتدت الى أكثر من ثلاث سنوات، كانت هناك محطات عظيمة من المعجزات، واللقاءات، والتعليم، والامثال. التي تقابل فيها السيد المسيح مع تلاميذه ومع جموع كثيرة، سواء فرادى أو مجموعات عبر هذه الخدمة. فمن هذه المحطات الكبيرة، المحطة التي جمع فيها تلاميذه وذهبوا الى منطقة قيصرية فيلبس (متى 16: 13) في شمال فلسطين. وهناك سألهم: مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ (متى 16: 13) فأجابوه. وسألهم السؤال التالي: وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ (متى 16: 15). فكانت إجابة القديس بطرس الرسول: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ (متى 16: 16). وهذه الشهادة كتبت في البشائر الأربعة بصياغات مختلفة، ولكنها كتبت في ضوء القيامة المجيدة: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ (متى 16: 16). كانت هذه من أهم المحطات في حياة التلاميذ.  وبعدها بدأ الحديث عما سيتم خلال الأسابيع والشهور التالية، وذلك في حياة خدمة السيد المسيح من أنه يسلم ويصلب ويدفن ثم يقوم.

 ثم جاءت محطة التجلي وهي محطة جمع فيها ثلاثة من التلاميذ (متى 17: 1-13)، وهم بطرس ويعقوب ويوحنا. بطرس يمثل الإيمان، ويعقوب يمثل الجهاد، ويوحنا يمثل المحبة الإلهية. وعلى جبل طابور، تقابلوا مع السيد المسيح وحضور موسى النبي وايليا النبي (متى 17: 1-13). وكان هناك حواراً وكان أهم ما فيه: جيد يا رب أن نكون ههنا (متى 17: 1-13). وهذا يعتبر قبس من الأبدية ونور من الأبدية. وهذا ما جعل بطرس الرسول يطلب صناعة ثلاثة مظال لكي تمتد إقامتهم في هذا المشهد المضيء والمفرح.

 بعد حادثة التجلي، كما نقرأ في إنجيل معلمنا يوحنا، أو في البشائر الأربعة بصفة عامة، وربما ذكرها القديس مرقس الرسول في انجيله (مرقس 9: 9) بطريقة مختصرة. عندما تحدث أن ابن الانسان يسلم ويصلب ويموت ويقوم من الأموات. فبدأ التلاميذ يتساءلون: ما هي القيامة من الأموات؟ حدث القيامة، أيها الاحباء، ليس حدثاً ماضيا في الزمن الماضي. وليس حدثًا تاريخيا فقط. ليس احتفالنا بالقيامة المجيدة مجرد احتفال يحدث تم في الماضي وانتهى. القيامة انطلاقة حقيقية للوجود الانساني. انطلاقة الانسان بعد أن صارت الخطية تدهمه وتسقطه وتكون عاقبتها الموت.

جاءت القيامة لكي ما تنتصر لنقول مع القديس بولس الرسول: “أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟” (1 كورنثوس 15: 55). قيامة السيد المسيح تختلف تماماً عن كل معجزات القيامة التي أقام فيها امواتًا، ابن أرملة نايين، أو ابنة يايرس، او اقامة لعازر حتى بعد أربعة أيام من تواجده في القبر. قيامة المسيح تختلف تمامًا لأنها قيامة للوجود الانساني. هي انطلاقة جديدة في حياة الانسان. وطوبى لمَنْ يتمتع بهذه القيامة.

 أيها الأحباء، دعوني أتوقف معكم عند المشاهد الأخيرة للقيامة. المشهد الأول، عند الصليب. وهو مشهد كله ألم وحزن وعذابات كثيرة.  وكلنا اجتزنا فترة أسبوع الآلام بكل ما فيها من قراءات، ونغمات، والحان، ومعرفة وحياة مع المخلص، وعشنا معه ساعة بساعة. كانت محطة الصليب محطة ألم، ولكن هذه المحطة لها نهاية انتهت في القبر. صُلب المسيح على الصليب، على عهد بيلاطس البنطي، كما نقول في قانون الإيمان. ثم وُضع في قبر جديد لم يوضع فيه أحد من قبل، وصار القبر هو محطة قد تنتهي عندها كل الآمال أم محطة ليس فيها رجاء، انها محطة الموت. ورغم أن هذه المحطة لم تطل سوى ثلاثة ايام، ولكنها كانت أيام خوف وأيام فزع وأيام رعب. وعندما نقرأ في البشائر الأربعة، نشعر بهذه المخاوف.  حتى التلاميذ أنفسهم كانوا في حالة خوف وهلع شديد. لكن الله لم يتركهم لبالوعة اليأس، بل في اليوم الثالث وفي فجر يوم الأحد قام من بين الأموات. والذي ههنا السيد المسيح، “لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لَكِنَّهُ قَامَ!” (لوقا 24: 6). وعندما نقرأ في إنجيل معلمنا يوحنا: “فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ” (يوحنا 20: 20). وكانت هذه الفرحة، هي فرحة القيامة التي يسعد بها الأنسان ويفرح بها.

 تجليات القيامة ليست الفاظأً تقال انما حياة تعاش. في بداية كل يوم نقوم من النوم، وفي بداية كل تسبحة، نقول “قوموا يا بني النور،” أي يا بني القيامة. وتصير القيامة فعل وحياة وحضور يومي في حياة الأنسان. وعندما نعيش في القيامة، لا نعيش فيها فترة عيد القيامة فقط، ولكن فرحة القيامة، تمتد وتشع في كل كنيستنا وفي كل مناسبتنا، واعيادنا وأصوامنا، وعبر السنة الكنسية كلها: في صلاة باكر في كل يوم هي تمثيل للقيامة، ونقول بنورك يا رب نعاين النور. وفي كل اسبوع في يوم الاحد، نحتفل بهذا “اليوم الذي صنعه الرب.” وفي كل شهر قبطي، نحتفل يوم 29 منه بتذكارات البشارة والميلاد والقيامة. وفي كل سنة، نحتفل بعيد القيامة ليس يوماً واحدًا، ولكن عبر سبعة أسابيع، تكتمل باليوم الخمسين فيما نسميه بالخماسين المقدسة. ويصير احتفال القيامة ليس احتفال لساعة ولا ليوم ولا لشهر، ولكن عبر السنة جميعها. وفي كل طقوسنا، كمثل طقس الميطانيات، السجدات الى الأرض، عندما نسجد الى الارض ونقول، يا ربي يسوع المسيح ارحمني انا الخاطئ، يسجد الانسان ثم يقف ويقوم ويشهد ان القيامة هي التي اعطته هذه النعمة، أن يقوم من اخطائه ومن خطاياه.

فرحة القيامة يجب أن نعيشها جميعاً. ويجب أن نقدمها لكل أحد فينا. وكل واحد فينا لابد وأن يكون سبب فرح للآخرين. والسؤال الذي يمكن أن نقدمه لحضراتكم جميعًا: هل انت تفرح انسان كل يوم. هل تستطيع من خلال حياتك أو من خلال معنى القيامة المجيد فيك، أو علاقتك بمسيحك، ومن خلال حضورك في كنيستك، ومن خلال ممارسة الاسرار المقدسة، ومن خلال القراءة المقدسة في الانجيل، هل تقوم وتفرح كل انسان حولك؟ هل انت سبب فرح؟ القيامة تدعوك أن تكون سبب فرح لكل أحد.

 ويستمر الفرح بالقيامة متمثلاً في كلمة هللويا. لا تنسوا أيها الاحباء اننا نكرر هذه الكلمة كثيراً في صلواتنا بالكنيسة.  هللويا معناها، هللوا لله، اي افرحوا لله. فكل ممارستنا الروحية هدفها أن نفرح وهدفها أن نعيش القيامة. وكما قلت في بداية كلمتي، ان السيد المسيح عندما قام من بين الاموات، اراد أن يقدم لنا هذه الفرحة لتكن في حياتنا اليومية، لنشهد بها ونعلمها ونمارسها ونفرح بها. هذه القيامة المجيدة هي دعوة للفرح الدائم. كل الممارسات الروحية التي نقدمها هدفها الأخير هو، أن نفرح لكي ما يتم فرحنا في الابدية السعيدة.

 والكتاب المقدس يقدم لنا فرح القيامة من خلال تقابلنا مع شخصيات ونماذج كثيرة.  وفي هذه القيامة نفرح بهذه الشخصيات وبهذه النماذج، التي تتصور أمامنا في أحداث القيامة المجيدة. اننا نفرح بيوحنا الحبيب، التلميذ الوحيد الذي بقي مع المسيح حتى الصليب. وقد ائتمنه المسيح على امه، امنا العذراء مريم. فكان هذا درس في الوفاء وصورة من صور القيامة. نفرح أيضاً بمريم المجدلية التي كانت أول من ذهب للقبر. فعاينت وشاهدت المسيح القائم ودعته “ربوني” اي يا معلم (يوحنا 20: 16). وهذا درس في الوفاء أيضاً. نشهد أيضاً في القيامة توما الشكاك. وقد ظهر السيد المسيح لتلاميذه في حضور توما بعد القيامة بأسبوع.  وكان قد ظهر قبل ذلك في مرات أخرى. وكان توما هو التلميذ الذي دعاه الرب أن يضع اصبعه في مكان المسامير ويضع يده موضع الحربة فصرخ وقال: “ربي والهي” (يوحنا 20: 26 – 28).

 أيها الأحباء، اجعلوا فرح القيامة في حياتكم دائمًا. وأرجوه لكم في كل كنيسة وفي كل ايبارشية مع كل الذين يخدمون. تهنئتي ارسلها لكم من أرض مصر الحبيبة، وأقدمها لكم باسم كل أعضاء المجمع المقدس، وباسم كل الكنيسة القبطية الارثوذكسية هنا في مصر. لنفرح جميعاً بالقيامة المجيدة.

خريستوس آنيستي، آليثوس آنيستي

البابا تواضروس الثاني

Comments are closed.