عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثاني من الزمن الفصحي، السنة ج

نورسات الاردن : بقلم: بييرباتيستا بيتسابالا

رأينا قبل ٨ أيام، في أحد الفصح، أن مسيرة إيمان المسيحي تبدأ من القبر الفارغ حيث نعود لنرى مكان دفن المسيح، ولكنه أيضاً المكان الذي غادره يسوع ولم يعد التلاميذ والنسوة يجدون فيه جثمانه. لم يعد يسوع جزءاً من الموت. وهذا الأمر هو مجرد نقطة انطلاق تستدعي مسيرة.

في الواقع، إن روايات ظهور القائم من بين الأموات مع تلاميذه ترتبط عادة بمسيرة. نرى ذلك في زيارة التلاميذ للقبر، وذهاب يسوع إليهم في العلية، وسفر التلميذين إلى عمواس ومنها يعودان أدراجهما إلى القدس.

إنها مسيرة جسدية ولكنها روحية أيضاً. هي مسيرة إيمان.

رأينا في إنجيل صباح الفصح أين تبدأ هذه المسيرة، واليوم نرى أين ستؤدي وأين يجب أن تُفضي. يجب أن تُفضي إلى التعرف على القائم من بين الأموات وإلى رؤيته بأعيننا والإيمان به وإعادة اكتشافه ربا لنا وإلها.

سنتوقف عند بعض جوانب هذه المسيرة.

الجانب الأول هو أنه بعد صباح الفصح، وهو اليوم الأول بعد السبت، يبحث الجميع عن يسوع ولكنهم لا يجدونه لأنه هو من يبحث عن تلاميذه ويجدهم بالطريقة التي يريدها وفي الوقت الذي يريده. نرى ذلك بوضوح في إنجيل اليوم. فيسوع يجد تلاميذه مجتمعين في العلية عشية ذلك اليوم، ثم يعود بعد ٨ أيام للقاء توما الذي غاب عن اللقاء الأول. إن مسيرة الإيمان تمر عبر طريق ضيق نسمح فيها ليسوع أن يجدنا. وآنذاك نقر أننا لسنا نحن من نجده بل هو من يقوم بذلك.

أين سيجدنا؟ تحديدا في مكان تواجدنا، في خوفنا وشكوكنا وانغلاقنا على أنفسنا. لقد كان التلاميذ في دار أُغلقت أبوابها خوفاً من اليهود (يوحنا ٢٠: ١٩)، وكان توما منغلقاً على نفسه وعاجزا عن التفكير بأن الرب حي، وغير قادر على إعطائه فرصة المجيء إليه. إلا أن الرب يأتي، كما سبق وقلنا.

يأتي الرب لعمل ثلاثة أشياء.

الأول هو منح الروح القدس (يوحنا ٢٠: ٢٢) أو منح الحياة التي استعادها بعد الموت والتي جعلها الرب تتويجا وتتميما لهبة محبته. فور تلقيه هذه الهبة، لا يحتفظ يسوع بها لنفسه بل يمنحها لأصدقائه.

الشيء الثاني يتعلق بإرسال التلاميذ. عندما يلتقي يسوع بالتلاميذ بعد ارتباكهم خلال أيام الآلام، لا يلومهم ولا يبقيهم بجانبه بل يرسلهم فوراً كما أرسله الآب. يتعيّن عليهم الآن إشراك كل إنسان في الحياة التي وجدوها لكي يكون الفصح للجميع. ثمة طريقة واحدة لحدوث ذلك وهي مغفرة الخطايا (يوحنا ٢٠: ٢٣).

المغفرة هي العلامة المطلقة على انتصار الرب القائم على الموت.

وأخيراً يأتي يسوع للقاء توما وشفائه.

إن حاجة الإنسان المصاب والخاطئ تتمثل دائماً في الطلب واللمس والأخذ مثل آدم. إنها الحاجة إلى التملك. ويسوع يصل إلينا وينزل عند رغبتنا المريضة هذه.  إلا أنه من خلال تقدمة ذاته كما فعل على الصليب فإنه يشفينا ويعطينا طريقة أخرى للحياة تكمن في الثقة والإيمان.

وإن كان اللمس والتملك هما أمران يجعلاننا ننغلق ونعتمد على أنفسنا واحتياجاتنا، حتى الدينية منها، فإن الإيمان هو الخروج من أنفسنا. هو مبدأ تلك الرسالة التي يريدنا القائم من بين الأموات أن ننطلق نحوها.

مَن هو سجين حاجته، أي مَن ينتظر الرؤية واللمس، لن يبدأ أبداً.

أما من يؤمن بأن الرب يرافقه دائماً، ويمنحه الحياة فهو بالمقابل لا يستطيع البقاء في مكانه، بل ينطلق من أجل أن يتلقى الآخرون الهبة المجانية والحياة ذاتها.

+ بييرباتيستا

Comments are closed.