الكاردينال لويس روفائيل ساكو يكتب كيف يكون السياسي المسيحي؟

من المعروف أن ليس كلّ من يُسمّي نفسَه مسيحيّاً هو مسيحيّ حقيقيّ ملتزم وفعّال. ثمّة بونٌ شاسع بين المسيحيّ الحقيقي والمسيحيّ بالاسم، أي “من دون الروح”!

المسيحي الحقيقي يؤمن بالله ويعبده. ويؤمن بالمسيح ويجسّد تعليمَه على كلِّ المستويات. المسيح يدعو الى المحبة والرحمة واللطف والصدق والإخلاص، واحترام الأشخاص والمال العام، وخدمة الناس والإحسان الى الفقراء.

السياسة هدفٌ سامٍ، وفنٌ شريفُ في خدمة الخير العام، وتحقيق تطلعات المواطنين المشروعة بدولة على أسس معاصرة وصحيحة، وتوفير الخدمات وتحقيق العدالة والحياة الحرّة الكريمة.

السياسي، من حيث المبدأ، مواطن صالح، وشخص مسالم لا يحمل السلاح ولا يقتل أحداً، ولا يملك فصيلاً مسلحاً!

ولأن ثمة في مجتمعاتنا خلطاً بين الانتماء المسيحي، بصرف النظر عن الممارسة الإيمانية، وبين الانتماء إلى مكوَّن بخصوصية اثنية وجغرافية، فإنه في واقعنا العراقي نرى بحزن وألم، كيف يتحول بعض من يُسمّون انفسهم بسياسيين مسيحيين الى متمرسين بالفساد طولاً وعرضاً لإشباع رغباتهم من دون وازع ضميري ولا قانوني.

بعض هؤلاء السياسيين الوصوليين الذين يفتقرون الى التنشئة الإنسانية والروحية والوطنية يعكسون واقعاً مُخجلاً يتعارض تماماً مع الإيمان المسيحي. انهم يتحولون بسرعة الى فاسدين، ويقصون المسيحيين الآخرين بشكل أو آخر ويوظفون إخوتهم وأقربائهم، لضمان ديمومتهم كما في الأنظمة الشمولية الدكتاتورية.

من المحزن انهم، يشترون بالمال بعض رجال الدين ضعفاء النفوس لتغطية أفعالهم.

إنها إهانة أن يُسمّي وزير ما انه وزير مسيحي، بينما تتقاطع أفعاله مع الأخلاق المسيحية. ليُسمِّ نفسه وزيراً عراقياً!

وفيما يخصنا كرئاسة بطريركية كنسية للكلدان في العراق والعالم نؤكد أنه لا صلة لهؤلاء بالشعب المسيحي ولا بالشعب الكلداني الأبي المتجذّر في الوطن، ولا يمثلونه. انهم يسيئون بالتالي الى المواطنين، ومن باب أولى إلى المسيحيين الذين يمتدح الكل صدقهم وجديّتهم في العمل، وإخلاصهم وأمانتهم وأداءهم وأخلاقهم وتجسيدهم مفهوم المواطنة.

هؤلاء الأشخاص ينتقدون تدخُّل الكنيسة في السياسية بينما يسمحون لأنفسهم التدخل في الشأن الكنسي، ناسين أو متناسين أن من حق الرئاسة الكنسية وواجبها ان تتفاعل مع مجتمعها، وان تشارك بإيجابية في الحياة العامة، ولكن من دون تحزُّب، إنما بالبحث عن الصالح العام. وكمثال على ذلك لا للحصر، إدانة الحروب واحترام حقوق الإنسان والتغيّر المناخي وإيجاد حلول لحالات الفقر المنتشرة حول العالم.

يقول البابا فرنسيس في إحدى عظاته: “لا يمكن للمسيحي أن يتجاهل السياسة. على المسيحي الصالح أن يتدخّل في السياسة ويقدّم أفضل ما لديه ليسهم بإنجاح مهمّة الحاكم”. هذا ما قمنا به بحرص في مجلس الأمن والبرلمان الاوروبي واللقاء بعدة رؤساء الدولة. وهكذا فعل بعض الأساقفة الإجلاء من أجل العراق والعراقيين جميعا. أما ما زعمه السيد ريان سالم فهو مناف للحقيقة. اني لم ازُر اسرائيل في حياتي، ولم أبع ملكا للكنيسة الكلدانية ولم احوّل قرشاً الى الخارج. ما بيع بحسب القوانين العراقية هو ملك للراهبات الكلدانيات والرهبان الكلدان واستبدلوه بملك آخر. كما ذكر السيد ريان أن البابا في خطابه في القصر الجمهوري (قصر بغداد) في 5 آذار 2021 منع رجال الدين من التدخل في السياسة هو كذب محض، ومن يريد الاطلاع على خطاب البابا نرسله له. كما ادعى ان البابا صافحه وأعطاه مسبحة صلاة! هذا أيضاً غير صحيح إذ كنت، كبطريرك وكاردينال، موجوداً في الصف الأول وبالقرب من البابا.

الكنيسة “متجذرة بالرجاء كما كان شعار مؤتمر الكنائس الشرقية بقبرص من 20-23 نيسان 2023. اني مؤمن بان الحرام لن يدوم، و انه لا يصح إلّا الصحيح وكما قال السيد المسيح: “لا تخافوهم. لان ليس مكتوم إلّا وسيعلن، وليس خفي الّا سيعرف” (متى 10/ 26). لابدّ أن تأتي دولة قوية، ستاتي لا محالة، وتحاسب الفاسدين والإرهابيين.

Comments are closed.