ماذا ينفعنا ان اطلت علينا سنة جديده والله بعيد عنها؟بقلم الأب الياس كرم

ماذا ينفعنا إن أطلّت علينا سنة جديدة والله بعيد عنها، أو نحن بعيدون عنه؟ تَمرّ السنوات في لحظة، في طرفة عين، وقد يبقى الإنسان على عتاقته، لا يسعى إلى أن يتجدّد، نفسًا، وروحًا، وعقلًا. التجدّد لا يعني ازديادًا في الأرباح والإنتصارات والأمجاد الأرضيّة، إنّما هو في مخافة الله والتواضع والخدمة والإيمان والمحبّة.

إذا أردت أن تبقى على عتيقك، فأنت لا تتّطلع إلى الغد. مهما حققت من نجاحات، يبقى هناك ثغرات لا يمكن أن تتخطّاها دون جردة حساب، عمّا اقترفته من أخطاء، على الصعيد الشخصي، وعلى صعيد علاقتك بالآخرين.

مجد الإنسان لا يصنعه المال ولا الجاه ولا السلطة، بل الأخلاق الحميدة والسمعة الطيّبة والعطاء المغبوط. نحن مقبِلون على سنة جديدة، لن تصير هكذا إن لم تصنعها أنت جديدة، بكل ما للكلمة من معنى. إبحث في دفاتر سنتك الفائته عن سقطاتك، التي فعلتها بالقول، أو بالفكر، أو بالفعل، وجاهد لتتّجرد منها، متكلًا على نعمة الله المسكوبة في داخلك، دون ان تطمرها، خوفًا من حساب تقدّمه لله.

ماذا ستحمل لنا هذه السنة؟ سؤال يطرحه كل إنسان لم يفهم أنّ البؤس والشقاء والوجع والحزن والمصاعب والضيقات، والأوبئة والأمراض والحروب والاغتيالات والاضطهادات، والمجاعات والزلازل والبراكين والعنف، والبغض والحسد والنميمة والكراهية، والعدائية والتفرقة والمشاكل العائلية والعادات القبيحة و… عناوين ستتكرر كلّ يوم ومع كل عام، غير منتظرين العرّافين الذين يحاولون أن يسرقوا انتباهنا لهذه الأمور. حتى نستطيع تخطّيها بسلام، علينا التقرّب من الله، وولوج عالمه المبارك. هذا ما يجب أن تحمله لنا السنة الجديدة، وما يجب أن نتطلّع إليه. عندها ستشعر تلقائيًا بسلام الله، المسكوب عليك من فوق.

سنة ٢٠٢٤ تصير جديدة إذا صنعتها وجبلتها برحمات الله الغنية وطاعتك لكلمته، لا بألعاب الحظّ والميسر، عندها تتّحول أرضك سماءً. الجدّة في قلب كل واحد منّا، تكون بترك شيءٍ من خطايانا، لأجل أن نسير في النور. فتّش عن أغلاطك وهفواتك وسقطاتك، وعالجها بتواضع ورجاء.

كثيرًا ما يهتم الناس بالفرح السطحي، أي بصحتهم أو بأولادهم أو بما يكسبون من مال وإنجازات، مع اهمّيتها. يبقى هذا ناقصًا، إن لم تدعُ الله إلى أن يسكن قلبك وبيتك وعملك ووطنك. إذ ليس من سنة جديدة الا إذا صار قلبك جديدًا، نظيفًا، محبًا، وغيورًا لله.

غالبًا ما نحزن خلال السنة إذا خسرنا مالاً أو صحة أو جاهًا، لكن إن خسرنا محبّة الناس، وخسرنا فرصةً للعطاء، أو خسرنا مناسبة لكي نخلّص أو نساعد إنسانًا على التقرّب من الله، والابتعاد عن الخطيئة والعادات السيئة، لا نعتبرها خسارة، لأن مفهوم الخسارة والربح، عند البشر، ينحصر في المال والتجارة، أم أن تخسر أخوتك بسبب من تكابرك وتسلّطك وتجبّرك، فهذه ليست بخسارة، عند أهل الأرض.

مع دخولنا عامًا جديدًا، فلنردّد مع كاتب سفر المزامير ونقول: قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي” (مزمور ٥٠: ١٠). هي طلبة لكي يطهّرنا الله من كل فكر نجس. نحن بدون معونته لن نقدر أن نحيا في نقاوة. وبدون نقاوة ستظل خطايانا أمام الله منتصبة. لذا نحن مدعوون أن نطلب من الله في هذه السنة المقبلة علينا، أن يخلق فينا قلبًا جديدًا وخليقة جديدة لا علاقة لهما بالماضي، وإصلاح كل الداخل وليس مجرّد التصرفات الخارجية. ليس بخطأ أن نرتكب أغلاطًا، لكنها تصبح خطيئة إن كرّرناها.

فلنترك لروح الله أن يجدّد طبيعتنا الساقطة، وينتشلها من براثن الخطيئة، حتى إذا أقبلت علينا السنة الجديدة، نكون قد حقّقنا انجازًا مهمًا، وتغلًبنا على مجد هذا العالم الزائل، ليسطع مجد الرب، فنغدو منارة تضيء لجميع الذين من حولنا.

Comments are closed.